في الصميم نحن وحيدون. حياتنا أشبه بالعلب الصينية: علبة داخل علبة_ وتتضاءل العلب حجما، إلى أن نبلغ العلبة الصغرى في القلب منها جميعا. واذا في داخلها_ لاخاتم ثمين من خواتم ابنة السلطان، بل سر أثمن وأعجب: الوحدة. وهل كانت بي حاجة الى أن اقتلع من جذوري ويقذف بي بين الحوافر والبراثن، بين لواهب الصحراء وزعيق الندن البترولية، لكني أعرف ذلك؟ القماشة عريضة، والسواد فيها كثير، والبقع قليلة متباعدة. الطالبة الهاربة من أبيها إلى القبور لتقابل حبيبها لحظتين رهيبيتين اضاءات في سواد القماشة، وأعود إلى آلام كآلام الصليب في مأساة تتجدد، فيقولون عني: انحطاطي ماكر، يناقض نفسه، يعبد القرش، ماعادت أرضه تعني له شيئا. كأنهم يربدونني أن أحمل حفنة من ترابها في كيس من ورق في جيبي دليلا على ألمي، وأنا أحمل صخورها البركانية الزرقاء كلها في دمي، في العلبة الصغرى التي في قلب العلب كلها، مع وحدتي ووحشتي، كلنا وحيدون. جبرا إبراهيم جبرا
اقتباسات أخرى للمؤلف