البئر الأولى هي بئر الطفولة . إنها تلك البئر التي تجمعت فيها أولى التجارب والرؤى والأصوات ، أولى الأفراح والأحزان ،والأشواق والمخاوف التي جعلت تنهمر على الطفل ، فأخذ إداركه يتزايد ، ووعيه يتصاعد ، لما يمر به كل يوم ، يعانيه أو يتلذذ به . وكلما استقى من تلك البئر، ازداد مع ريّه فهمه لهذه التجارب والرؤى والأصوات ، بأفراحها وأحزانها ، وإذا يمتح من مائها ، لن يعرف ما الذي سيصعد إليه من صفوٍ قرير ، أو طين وعكر ، وقد يكثر الطين والعكر ، ويقل الصفو القرير . ولم لا؟ إنّه بذلك يعيش ويتغذى : إنها البئر التي لن يكون له عنها غنى . وإذ يعود إليها كل مرة ، فهو إنما يرد ينبوعًا دائم الفيض في طوايا إنسانيته. جبرا إبراهيم جبرا