لكن الرجل الذي أنزلت عليه { اقرأ } كان أميًا . وقد ظل علماؤنا لفترة طويلة يفسرون ذلك أنه من أدلة النبوة وأوجه الإعجاز في مواجهة المشككين بصدق نبوة محمد ( عليه الصلاة والسلام ) ... لكن الانطلاق من أرضية التصديق يمنح ذلك التناقض الظاهري بين { اقرأ } وبين أمية النبي أفقًا واسعًا للتأمل وفضاءً رحبًا للتحليق . إنه يحرر القراءة من أسوارها الأبجدية وحدودها اللغوية - على سعتها - ليطلقها في عالم المعاني شديدة الثراء والخصوبة . إنه يحرر القراءة من المفاهيم الجامدة للتلقين الغبي إلى قراءة ما هو غير مكتوب في بطون الكتب، إنه دعوة لقراءة كتاب الكون المفتوح، المتمثل في كل ذرة من ذرات الخليقة... والمتجسد في كل حبة رمل، ونسمة هواء، وثمرة شجر. إنه دعوة للقراءة في كتاب النفس الإنسانية: في كل نزعة خير ونزوة شر، وعاطفة حب تسمو بها النفس، نحو الجمال والسمو، أو تهوي بها نحو الرذيلة والانحدار. أحمد خيري العمري