وبسبب الحذق الاعلامي المحترف, الذي تمارسه مؤسسات العولمة الاعلامية المتسلطة على وسائل الاعلام بأشكالها كافة, فان شعوب الجنوب اللاهثة وراء اللقمة وسداد الدين ووسائل العيش البيولوجي البحت تكون في الوقت نفسه مهمشة الهوية مزدوجة الانتماء. فالمؤسسة الاعلامية العالمية من تلفاز وسينما واذاعة تسوق (نمط الحياة) الغربية, بالضبط كما تسوق لكل منتجاتها الاستهلاكية الاخرى: السيارة, والهاتف النقال, ومسرح الشعر. وتسويق نمط الحياة عبر الصورة الاعلامية الجذابة هو اخطر ما في عملية التسويق, معها يصير الهمبركر اكثر من مجرد أكلة سريعة, و الجينز أكثر من مجرد ثوب عملي, والبيبسي اكثر من شراب منعش. كل هذه تصير رموزا لحياة اخرى وتيار آخر, تركض شعوب الجنوب خلفها بحثا عن رفاهية ذلك العالم (آلاخر). ارض الاحلام كما يسميها مسوقو الحلم الامريكي. وخلال ذلك الركض الذي غالبا ما يصيب المنتجات الاستهلاكية وحدها, تستمر عجلة الاستهلاك, محور الحضارة الغربية المعاصرة في الدوران, ويستمر المدينون في الاقتراض لشراء ما يتغير بأستمرار, تستمر الفوائد بالتصاعد, وجيوب الملأ العالمي في الانتفاخ, وخلال ذلك, يصير الهمبركر والبيبسي والجينز أكثر من مجرد حاجات استهلاكية بل نمط الحياة الاخرى, يحمل, ولا بد قيم تلك الحياة, وللأسف فان القيم التي تأتي دوما تكون اسوء ما في الحياة الغربية : القيم الفردية, التحلل والاباحية, التفكك الاسري, والعنف والجريمة والمخدرات. أحمد خيري العمري