سأله العقل مجدداً : وهل رأيت حبها بعينيك ؟ . هل شاهدته مرة ، هل شاهدت شكل حبها ؟ هل رأيته بعينيك وهو يغدو ويروح ؟ قال ابراهيم : بالتأكيد لا ... فرد العقل : ولماذا يا ترى إذن تثق أنها تحبك دون أن ترى شكل حبها لك ؟ لم يفكر ابراهيم طويلاً ، تذكر على الفور حنان أمه وسهرها عليه ... قال: لأنها طالما سهرت عليّ ؛ طالما قلقت عليّ ؛ وطالما حرمت نفسها الراحة والشبع لتريحني وتشبعني ... قال له العقل : إذن أنت لم ترَ شكل حب أمك لك ؛ لكنك لمسته وعرفته من آثاره فيك .. قال ابراهيم : بالضبط . أجاب العقل : وهذا العالم كله من حولك ؛ بشمسه وقمره وسمائه ونجومه ، ببحاره وأنهاره وبحيراته وصحاريه ، بليله ونهاره ، بفصوله المتعاقبة ، بحيواناته المختلفة ، بثماره المتنوعة ، بالإنسان فوق كل هذا .. ألَيس من آثار هذا الإله الواحد الحق ؟! ألَيس كل ما في هذا العالم دليلاً على هذا الإله ؟! بالضبط كما حنان أمك وسهرها دليل على حبها .. كل مافي هذا العالم دليل على هذا الإله ، ويحمل توقيعه وبصمته .. شعر ابراهيم أنه يرى العالم من جديد ، شعر أن عينيه قد تفتحت على عالم هو كله دليل على هذا الإله الواحد المطلق. أحمد خيري العمري