إنّ هاجس المقَاصد و فهمَ المقَاصد وفِقه النّسغ القرآني السّاري في كلّ قانونٍ و حدٍّ قرآنييّن، هو الّذي جعلَ عُمر رضي الله عنه يتعاملُ بشكلٍ مختلفٍ عن حرفيّة النّص متجاوزا إيّاها إلى الغاية من النصّ و إلى المقصدِ منه. يظهرُ هذا جليّا في إبطاله الحدّ على السّرقة في عام الرّمادة، وهو العام الّذي عمّ به الجوع و اشتدّ الفقر.. أيّ فقيه آخر يتمسّك بالنّصوص، و ما أكثرها سيقوم بتطبيقِ الحدّ فورًا، و سيقول ضمنَ مايقوله: لو أنّ فاطمة بنتَ محمّدٍ سرقت لقطعتُ يدها.. إلخ، لكنّ عُمر رضي الله عنه الّذي يفهم النّصوص القرآنية بشكل متكامل مترابط بعضه ببعض يعِي جيّداً أنّ الله لم يبعث محمّدا صلّى الله عليه و سلّم ليقطع أيدي النّاس، ولكن ليُجفّف منابعَ الانحراف و الجريمة، بعدَها فقط يكون للحدّ معنىً و مغزى.. لذلك عندَما نزلت بالنّاس كارثة طبيعيّة مثل المجاعة، فإنّ عمرَ رضي الله عنه تجاوزَ النصّ إلى مقصَده و أبطَل الحدّ إلى حينِ زوالِ الأزمة.
أحمد خيري العمري