وقد أسفت ـ كما أسف غيرى ـ لصنفين من الناس: * صنف تلمس فى قلبه عاطفة حارة، ورغبة فى الله عميقة، وحبا لرسوله باديا، ومع ذلك تجده ضعيف البصر بأحكام الكتاب والسنة، يعلم منها قليلا ويجهل منها كثيرا، ويغريه بالتعصب للقليل الذى يعلمه أنه يأنس من نفسه صدق الوجهة، وقوة محبة لله ورسوله ربما افتقدها فى غيره فلم يشعر بها. * وصنف تلمس فى عقله ذكاء، وفى علمه سعة، وفى قوله بلاغة، يعرف الصواب فى أغلب الأحكام الشرعية، ويؤدى العبادات المطلوبة منه أداء لا بأس به، ولكنه بارد الأنفاس، بادى الجفوة، غليظ القلب، يكاد يتمنى العثار لغيره، كى يندد بأغلاطه، ويستعلى هو بما أوتى من إدراك للحق، وبصر بمواضعه من كتاب وسنة. عرفت الصنفين معا فى تجاربى مع الناس. فكان يغيظنى من أصحاب العاطفة، ما يغلب عليهم من جهل وما يشين غيرتهم من عكوف على الخرافات، وعجز عن استيعاب الأحكام التى استعلنت فى دين الله أدلتها، واكتفاؤهم بحب سلبى طائش. وكان يغيظنى من الآخرين استكبارهم لما هدوا إليه من صواب فى بعض الأحكام العقيدية والفقهية، واستهانتهم بآفات القلوب وفراغهم من حرارة الإقبال على الله، والحنو على عباده.
محمد الغزالي