الشيخ محمد الغزالي
وصعد بلال فوق ظهر الكعبة فأذن للصلاة ، وأنصت أهل مكة للنداء الجديد على آذانهم كأنهم في حلم ، إن هذه الكلمات تقصف في الجو فتقذف بالرعب في افئدة الشياطين فلا يملكون أمام دويِّها إلا أن يولوا هاربين ، أو يعودوا مؤمنين. الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر. هذه الصيحات المؤكدة تذكر الناس بالغاية الأولى من محياهم ، وبالمرجع الحق بعد مماتهم ، فكم ضلّلتِ البشرَ غاياتٌ صغيرة أركضتهم على ظهر الأرض ركضَ الوحوش في البراري ، واجتذبت انتباههم كلَّه فاستغرقوا في السعي وراء الحطام ! وامتلكت عواطفهم كلها ، فالحزن يقتلهم للحرمان ، والفرح يقتلهم بالامتلاء ، ولِمَ يسفه المرء نفسه بالغيبوبة في هذه التوافه؟. إن صوت الحق يستخرجه من وراء هذه الحجب المتراكمة ليلقي في روعه ما كان ينساه ، وهو تكبير سيد الوجود ، ورب العالمين ، سيده ومولاه ... أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله . لقد سقط الشركاء جميعاً ، طالما ضرع الناس للوهم ، واعتزُّلوا بالهباء ، وأمَّلوا الخير فيمن لا يملك لنفسه نفعاً ، وانتظروا النجدة ممن لا يدفع عن نفسه عدوان ذبابة. ولِمَ الخبط في هذه المتاهات ؟ إن كان المغفَّلون يشركون مع الله بعض خلائقه ، أو يؤلهونها دونه ؟ فالمسسلمون لا يعرفون الا الله ربَّاً ، ولا يرون غيره موئلا. والتوحيد المحض ، هو المنهج العتيد للغاية التي استهدفوها. ولكن مَنِ الأسوة ؟ مَن الإمام في هذه السبيل ؟ مَن الطليعة الهادية المؤنسة؟ إن المؤذن يستتلي ليذكر الجواب : أشهد أن محمداً رسول الله ، أشهد أن محمداً رسول الله. سيرة هذا الرجل النبيل هي المثل الكامل لكل إنسان يبغي الحياة الصحيحة ، إن محمداً إنسان ، يرسم بسنته الفاضلة السلوك الفريد لمن اعتنق الحق وعاش له. وهو يهيبُ بكل ذي عقل أن يُقبل على الخير ، وأن ينشط إلى مرضاة الله وليِّ أمره ، ووليِّ نعمته ، فيحث الناس أولاً على أداء عبادة ميسورة رقيقة : حيَّ على الصلاة ، حيَّ على الصلاة. هذه الصلوات هي لحظات التأمل في ضجيج الدنيا ، هي لحظات المآب كلما انحرف الإنسان عن الجادة ، هي لحظات الخضوع لله كلما هاج بالمرء النزق ، وطغت على فكره الأثرة فنظر إلى ما حوله ، وكأنه إله صغير. هي لحظات الاستمداد والإلهام. وما افقر الإنسان برغم غروره إلى من يلهمهمه الشد فلا يستحمق ، ويمده بالقوة فلا يعجز ويستكين . ثم يحث الناس أخيراً- على تجنب الخيبة في شؤونهم كلها. والخيبة إنما تكون في الجهد الضائع سدى ، في العمل الباطل لأنه خطأ ، سواء كان الخطأ في الاداء ، أو في المقصد.. وهو يحذر من هذه الخيبة عندما يدعو : حيَّ على الفلاح ، حيَّ على الفلاح. ويوم يخرج العمل من الانسان وهو صحيح في صورته ونيته ، فقد أفلح ، ولو كان من أعمال الدنيا البحتة ، ألم يعلِّم الله نبيه أن يجعل شؤون حياته ، بعد نسكه وصلاته خالصة لله ؟: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) } سورة الانعام. ولا سبيل إلى ذلك إلا بإصغار ما عدا الله من غايات ، والتزام توحيده أبداً ، ومن ثم يعود إالى تقرير الغاية والمنهج ، مرة أخرى. الله أكبر الله أكبر ... لا إله إلا الله ... إن كلمات الأذان تمثل العناوين البارزة لرسالة كبيرة في الإصلاح ، ولذلك جاء في السنن الثابتة أن المسلم عندما يسمعها يقول: ((اللهم ررب َّ هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آت سيدنا محمداً الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، إنك لا تخلف الميعاد)) حديث صحيح . محمد الغزالي
اقتباسات أخرى للمؤلف