الحق أن هذا الاهتمام بالأمور الخلافية لون من الطفولة الفجة، والزيغ الفار بأهله من ميدان الحق، لأنه كثير التكاليف، إلى ميدان آخر لامشقة فيه ولا تزحمه واجبات ثقال.. وأترك الماضى وذكرياته المؤذية إلى الحاضر المحرج. أمة هى خمس العالم من ناحية التعداد، تبحث عنها فى حقول المعرفة فلا تجدها، فى ساحات الإنتاج فلا تحسها، فى نماذج الخلق الزاكى، والتعاون المؤثر، والحريات المصونة، والعدالة اليانعة... فتعود صفر اليدين!! بماذا شغلت نفسها؟ بمباحث نظرية شاحبة، وقضايا جزئية محقورة، وانقسامات ظاهرها الدين وباطنها الهوى.. واستغرقها هذا كله، فلم تعط عزائم الدين شيئا من جهدها الحار، وشعورها الصادق.. فكانت الثمرات المرة أن صرنا حضاريا وخلقيا واجتماعيا آخر أهل الأرض فى سلم الارتقاء البشرى!! حكومات فرعونية إقطاعية، وجماهير تبحث عن الطعام، وفن يدور حول اللذة وطرقها، ومتدينون مشتغلون بالقمامات الفكرية وحدها كأنما تخصصوا فى التفاهات.. أما العالم المتقدم فهو يعبد نفسه، ويسعى لجعل الشعوب المتخلفة- وأولها المسلمون- عبيدا له، وأرضهم مصادر للخامات التى يحتاج إليها، أو الأتباع الذين يستهلكون مايصنع.. ثم.هناك بعيدا عن الأعين بنو إسرائيل يمكرون ليقيموا الهيكل، كى يحل الله فيه ويحكم بهم العالم، أو جماعة الكرادلة والكهان الذين يعملون لإقامة مملكة الرب، تمهيدا لنزول المسيح له المجد .
محمد الغزالي