فإن السنة أصبحت كمتجر كبير للملابس وزعت فيه أنواعها على مختلف الجوانب، هنا أغطية الرأس، وهنا سراويل، وهنا قمصان. وهنا حلل سابغة..الخ. والطبيعي أن من يريد كسوة كاملة يمر بهذه الجوانب كلها ليأخذ ما يغطيه من رأسه إلى قدمه، ولكن يحدث كثيراً أن ترى من يشتري قلنسوتين ويخرج حافياً، أو من يشتري منديلاً ويخرج عارياً..! إن هذا مثل طوائف اشتغلت بالسنة، ثم -بعد طول تطواف- خرجت على الناس، وفي يديها من السنن سواك، وعمامة مقطوعة الذنب اعتبروها شعار الإسلام، وسر ذلك أنهم دخلوا المعرض الحافل ثم خرجوا منه بعد أن ظنوا الدين كله في حديث أو سنة محدودة، فأساءوا بذلك إلى القرآن والسنة جميعاً. إن قصر الباع في السنة -على كثرة الاشتغال بها- أضر بتوجيه المسلمين، وأشاع بينهم طائفة من الأحكام المبتسرة والتقاليد الضيقة، تنبو عنها روح القرآن والسنة وإن اعتمدت على حديث لم يفهم، أو أثر لم يفقه.. وذلك أن الإسلام -في الشؤون الهامة- جاء بطائفة من الأحكام، ذكرت في الكتاب العزيز أو وردت على لسان النبي (صلَّى الله عليه وسلم). وهي جميعاً متكاملة يصل بعضها بعضاً ويوثقه، فإذا ظهر في دليل منها ما يعارض سائر الأدلة، بحث في تأويله حتى يتم الجمع بينها كلها، أو قبل الأرجح سنداً ورد الآخر.
محمد الغزالي