استطاع أعداؤها الأيقاظ المكرة، أن يستأجروا أحد الساسة المرتدين ليدفن الخلافة المعتلة، وليمزق الرسالة التي أهانها أهلها، ويعلن البعد عنها!! ما فعله كمال أتاتورك كان واضح المعنى، فقد طوى الوجود الدولي للإسلام، ومحا شارته العالمية، وجعل الأمة الكبيرة تحيا بلا كافل يحنو ويكافح، وانقطعت العروة التي كان يهفو إليها المسلمون في المشارق والمغارب.. وفي الوقت الذي نزلت بالإسلام هذه الضربة الشديدة، كانت الأديان الأخرى تلم شملها وتجمع شتاتها. وخلال سنوات معدودة تجمع النصارى الكاثوليك وراء بابا روما، ثم تجمع النصارى البروتستانت وراء مجلس الكنائس العالمي، ثم أُنشئت لأول مرة في التاريخ بابوية لتجميع النصارى الأرثوذكس بإيعاز أجنبي- ثم أُنشئ مجلس صهيوني عالمي ليقيم كيانًا لليهود بعد التيه الذي عاشوا فيه عشرات القرون.. أما الإسلام فهو وحده الدين الذي حظر على أهله التجمع!، والذي اعتبرت خلافته أمرًا لا يجوز!! والذي اعتبر الولاءُ له رجعية منكورة!!. - ومضى أعداء الإسلام يتابعون ضرباتهم، لقد تفكك الكيان الكبير سبعين جزءًا، لكن كل جزء يحمل طبيعة الأصل الذي انفصل عنه، وإذا بقى كذلك فمن يدري؟ ربما تضامت الأجزاء مرة أخرى فعاد الكيان المحظور! لابد إذن من تغيير كل جزء وتنسيته أصله، وصبه في قالب جديد كل الجدة وشرع الاستعمال السياسي والثقافي يعمل عمله، ويستغل تفوّقه العسكري والحضاري لينشئ أجيالاً كافرة بدينها وتراثها وتاريخها، همّها أن تحيا على أي نحو لا فكر ولا ضمير ولا هدف، تخدعها كل هيعة ويمتطيها كل خبيث.. ومن ثم قسم الإسلام قسمين: عقيدة وشريعة، فوضع لمحو العقيدة سياسة بعيدة المدى إذ لا يمكن غير هذا.. أما الشريعة فقد محا وجودها بجرة قلم، وجعل القانون الغربي أساس الحكم والتقاضي ونفذ ذلك لفوره! واستبقى مؤقتًا- قوانين الأسرة، حتى استطاع أن يكون من المسلمين أنفسهم من يغيرها كلا أو بعضًا.
محمد الغزالي