الشيخ محمد الغزالي
ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺸﺌﻮﻥ اﻟﺘﻰ ﺍﻫﺘﻢ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺑﻬﺎ٬ ﻭﻧﻮﻩ ﺑﻘﻴﻤﺔ ﺍﻟﻮﻓﺎء ﻓﻴﻬﺎ٬ ﺍﻟﺪﻳﻮﻥ ﻓﺈﻥ ﺳﺪﺍﺩﻫﺎ ﻣﻦ ﺁﻛﺪ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻋﻨﺪ ﷲ٬ ﻭﻗﺪ ﻗﻄﻊ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻗﻄﻌﺎ ﻋﻨﻴﻔﺎ ﻭﺳﺎﻭﺱ ﺍﻟﻄﻤﻊ ﺍﻟﺘﻰ ﺗﻨﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﺪﻳﻦ ﻭﺗﻐﺮﻳﻪ ﺑﺎﻟﻤﻄﺎﻝ٬ ﺃﻭ ﺇﺭﺟﺎء ﺍﻟﻘﻀﺎءﻭﺃﻭﻝ ﻣﺎ ﺷﺮﻋﻪ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﻰ ﻫﺬﺍ ﺃﻥ ﺣﺮﻡ ﺍﻻﺳﺘﺪﺍﻧﺔ ﺇﻻ ﻟﻠﺤﺎﺟﺔ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ ﻓﻤﻦ ﺍﻟﻮﺭﻃﺎﺕ ﺍﻟﻤﺨﻮﻓﺔ٬ ﺃﻥ ﻳﻘﺘﺮﺽ ﺍﻟﻤﺮء ﻓﻰ ﺃﻣﻮﺭ٬ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻻﺳﺘﻐﻨﺎء ﻋﻨﻬﺎ. ﺑﻞ ﻟﻘﺪ ﺭﻭﻯ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻵﺛﺎﻡ ﺍﻟﺘﻰ ﻳﺤﻠﻘﻬﺎ ﺍﻟﻘﺼﺎﺹ: ﺇﻥ ﺍﻟﺪﱠﻳْﻦ ﻳُﻘﺘﺺ ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺇﺫﺍ ﻣﺎﺕ٬ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺗﺪﻳﻦ ﻓﻰ ﺛﻼﺙ ﺧﻼﻝ: ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺗﻀﻌﻒ ﻗﻮﺗﻪ ﻓﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ٬ ﻓﻴﺴﺘﺪﻳﻦ ﻳﺘﻘﻮﻯ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﻭ ﷲ ﻭﻋﺪﻭﻩ٬ ﻭﺭﺟﻞ ﻳﻤﻮﺕ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﺴﻠﻢ٬ ﻓﻼ ﻳﺠﺪ ﻣﺎ ﻳُﻜﻔﻨﻪ ﻭﻳﻮﺍﺭﻳﻪ ﺇﻻ ﺑﺪﱠﻳْﻦ!ﻭﺭﺟﻞ ﺧﺎﻑ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺍﻟﻌﺰﻭﺑﺔ٬ ﻓﻴﻨﻜﺢ ﺧﺸﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺩﻳﻨﻪ ! ﻓﺈﻥ ﷲ ﻳﻘﻀﻰ ﻋﻦ ﻫﺆﻻء ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ. ﻭﻓﻰ ﺭﻭﺍﻳﺔ: ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ـ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ـ ﻗﺎﻝ: ﻳﺪﻋﻮ ﷲ ﺑﺼﺎﺣﺐ ﺍﻟﺪﱠﻳْﻦ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ٬ ﺣﺘﻰ ﻳﻮﻗﻒ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ ٬ ﻓﻴﻘﺎﻝ : ﻳﺎ ﺍبن ﺁﺩﻡ٬ ﻓﻴﻢ ﺃﺧﺬﺕ ﻫﺬ ﺍﻟﺪﱠﻳْﻦ؟ ﻭﻓﻴﻢ ﺿﻴﻌﺖ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺎﺱ؟ ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﻳﺎﺭﺏ ﺇﻧﻚ ﺗﻌﻠﻢ ﺃﻧﻰ ﺃﺧﺬﺗﻪ ﻓﻠﻢ ﺁﻛﻞ٬ ﻭﻟﻢ ﺃﺷﺮﺏ٬ ﻭﻟﻢ ﺃﻟﺒﺲ٬ ﻭﻟﻢ ﺃﺿﻴﻊ٬ ﻭﻟﻜﻦ ﺃﺗﻰ ﻋﻠﻰ ﺇﻣﺎ ﺣﺮﻕ٬ ﻭﺇﻣﺎ ﺳﺮﻕ٬ ﻭﺇﻣﺎ ﻭﺿﻴﻌﺔ ! ﻓﻴﻘﻮﻝ ﷲ : ﺻﺪﻕ ﻋﺒﺪﻯ٬ ﺃﻧﺎ ﺃﺣﻖ ﻣﻦ ﻗﻀﻰ ﻋﻨﻚ٬ ﻓﻴﺪﻋﻮ ﷲ ﺑﺸﻰء ﻓﻴﻀﻌﻪ ﻓﻰ ﻛﻔﺔ ﻣﻴﺰﺍﻧﻪ٬ ﻓﻴﺮﺟﺢ ﺣﺴﻨﺎﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺌﺎﺗﻪ٬ ﻓﻴﺪﺧﻞ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺑﻔﻀﻞ ﺭﺣﻤﺘﻪ . ﻭﻳﻈﻬﺮ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺃﻥ ﷲ ﻳﻌﺬﺭ ﻣﻦ ﻳﻀﻄﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﱠﻳْﻦ ﻷﺯﻣﺎﺕ ﺷﺪﺍﺩ٬ ﻭﻣﻦ ﻳﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻀﺎء ﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﺟﺎﺋﺤﺔ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺬﻯ ﺗﻤﺮ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺷﻬﻮﺓ ﻃﺎﺭﺋﺔ٬ ﻭﻳﻀﻌﻒ ﻋﻦ ﺇﺟﺎﺑﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻪ٬ ﻓﻴﺴﺎﺭﻉ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﻗﺘﺮﺍﺽ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻩ٬ ﻏﻴﺮ ﻧﺎﻇﺮ ﺇﻟﻰ ﻋﻘﺒﺎﻩ٬ ﻭﻻ ﻣﻬﺘﻢ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺨﻠﻮﺹ ﻣﻦ ﺩﱠﻳْﻨﻪ ﻓﻬﻮ ـ ﻛﻤﺎ ﻭﺻﻔﺘﻪ ﺍﻵﺛﺎﺭـ ﺳﺎﺭﻕ ﺟﺮﺉ. ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﷲ ـ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ـ : ﻣﻦ ﺃﺧﺬ ﺃﻣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﺩﺍءﻫﺎ ﺃﺩﻯ ﷲ ﻋﻨﻪ٬ ﻭﻣﻦ ﺃﺧﺬﻫﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﺇﺗﻼﻓﻬﺎ٬ ﺃﺗﻠﻔﻪ ﷲ . ﻭﺍﻹﺳﻼﻡ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﻮﻓﺮ ﻟﻠﺪﻳﻮﻥ ﺿﻤﺎﻧﺎﺕ ﺷﺘﻰ٬ ﺣﺘﻰ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺃﻣﻮﺍﻻ ﺣﻴﺔ٬ ﻭﺣﺘﻰ ﻳﺮﻯ ﺍﻟﻮﻓﺎء ﺑﻬﺎ ﺿﺮﺑﺔ ﻻﺯﺏ٬ ﻭﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻔﺮﺍﺭ ﻣﻦ ﺃﺩﺍء ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ٬ ﻭﻟﻮ ﺑﺄﺩﺍء ﻋﺒﺎﺩﺍﺕ ﺃﺧﺮﻯ ﺭﻓﻴﻌﺔ ﺍﻷﺟﺮ. ﻋﻦ ﺃﺑﻰ ﻗﺘﺎﺩﺓ ﺭﺿﻰ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ : ﻗﺎﻝ ﺭﺟﻞ:ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ٬ ﺃﺭﺃﻳﺖ ﺇﻥ ﻗُﺘﻠﺖ ﻓﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﷲ٬ ﺃﺗﻜﻔﺮ ﻋﻨﻰ ﺧﻄﺎﻳﺎﻯ؟ ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ـ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ـ: ﻧﻌﻢ٬ ﺇﻥ ﻗُﺘﻠﺖ ﻭﺃﻧﺖ ﺻﺎﺑﺮ ﻣﺤﺘﺴﺐ٬ ﻣﻘﺒﻞ ﻏﻴﺮ ﻣﺪﺑﺮ! ﺛﻢ ﻗﺎﻝ : ﻛﻴﻒ ﻗﻠﺖ؟ ﻓﺄﻋﺎﺩ. ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ ﺇﻻ ﺍﻟﺪﻳْﻦ٬ ﻓﺈﻥ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﺑﺬﻟﻚ. ﻭﻓﻰ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺃﺧﺮﻯ: ﻳﻐﻔﺮ ﻟﻠﺸﻬﻴﺪ ﻛﻞ ﺫﻧﺐ ﺇﻻ ﺍﻟﺪﻳﻦ . ﻭﻟﻤﺎ ﻋﻠﻤﻪ ﺍﻟﻌﻘﻼء ﻣﻦ ﺧﻄﺮ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺁﺧﺮﺓ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻭﻣﻨﺰﻟﺘﻪ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻨﺼﺤﻮﻧﻪ ﺑﺎﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻨﻪ٬ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳُﻘﺪﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﻯ ﻣﺨﺎﻃﺮﺓ٬ ﻗﺪ ﺗﻮﺩﻯ ﺑﺤﻴﺎﺗﻪ. ﻓﻌﻦ ﺃﺑﻰ ﺍﻟﺪﺭﺩﺍء : ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﻘﻒ ﺣﻴﻦ ﻳﻨﺘﻬﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﺭﺏ ﻓﻰ ﻣﻤﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ٬ ﻓﻴﻨﺎﺩﻯ ﻧﺪﺍء ﻳُﺴﻤﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ: ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻨﺎﺱ٬ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺩﻳْﻦ ﻳﻈﻦ ﺃﻧﻪ ﺇﻥ ﺃﺻﻴﺐ ﻓﻰ ﻭﺟﻬﻪ ﻫﺬﺍ ﻟﻢ ﻳﺪﻉ ﻟﻪ ﻭﻓﺎء ﻓﻠﻴﺮﺟﻊ٬ ﻭﻻ ﻳﺘﺒﻌﻨﻰ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﻌﻮﺩ ﻛﻔﺎﻓﺎ. ﻭﻗﺪ ﺍﺳﺘﻬﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﺑﺎﻟﺪﻳﻮﻥ ﻓﺎﻓﺘﺮﺿﻮﻫﺎ ﻟﺸﻬﻮﺍﺕ ﺍﻟﻐﻰ ﻓﻰ ﺍﻟﺒﻄﻮﻥ ﻭﺍﻟﻔﺮﻭﺝ٬ ﻭﺍﻗﺘﺮﺿﻮﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻭﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﺑﺎﻟﺮﺑﺎ ﺍﻟﺬﻯ ﺣﺮﻣﻪ ﷲ ﺗﺤﺮﻳﻤﺎ ﺑﺎﺗﺎ٬ ﻓﻜﺎﻥ ﻣﻦ ﺁﺛﺎﺭ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻧﻜﺒﻮﺍ ﻧﻜﺒﺎﺕ ﺟﺎﺋﺤﺔ ﻓﻰ ﺩﻳﺎﺭﻫﻢ ﻭﺃﻣﻮﺍﻟﻬﻢ. ﻭﻻ ﻳﺰﺍﻝ ﺍﻟﻮﻓﺎء ﺑﺎﻟﻘﺮﻭﺽ ﻣﺴﺘﻌﺼﻴﺎ.. ﻭﻟﻮﻻ ﺳﻴﺎﻁ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻟﻀﺎﻋﺖ ﺣﻘﻮﻕ ﻛﺜﻴﺮﺓ.. ﺇﻥ ﷲ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﻳﺤﺐ ﺍﻷﻭﻓﻴﺎء ﻣﻦ ﻋﺒﺎﺩﻩ٬ ﻭﻣﺎ ﺃﻫﻠﻚ ﺍﻟﻘﺮﻯ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﺔ ﺇﻻ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻗﺎﻝ ﻓﻰ ﺃﻫﻠﻬﺎ: ﻭﻣﺎ ﻭﺟﺪﻧﺎ ﻷﻛﺜﺮﻫﻢ ﻣﻦ ﻋﻬﺪ ﻭﺇﻥ ﻭﺟﺪﻧﺎ ﺃﻛﺜﺮﻫﻢ ﻟﻔﺎﺳﻘﻴﻦ . محمد الغزالي
اقتباسات أخرى للمؤلف