إن ديننا العظيم تعمل فيه جرثومتان خبيثتان، من ديكتاتورية الحكم ورأسمالية الاقتصاد. ومعروف أن هناك طائفة واحدة من الناس، هى التى تستفيد من إفساد دين الله ودنيا الناس. وهى التى يهمها أن تفسد سياسة الحكم والمال، بل إنها لتضع القمامة التى تتولد فيها جراثيم هذا الفساد العريض، ثم تتعهد توريدها إلى حيث تشاء. ومعروف أن الإسلام فى فتوحه الأولى، اكتسح هذه الطائفة، وأسقط جاهها فى فارس والروم. فلما أراد ' معاوية ' أن يتجه بشكل الحكم الإسلامى إلى غير ما غرف فى دولة الخلافة، لاحظ المعترضون عليه من صحابة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، أن هذا الاتجاه رومانى لا إسلامى، وقالوا فى وصفه: كلما هلك هرقل قام هرقل! ولكن هذا الأسلوب الرومانى كتبت له السيطرة، وبلغ من اجترائه أنه استولى على منابر 'الجمعة ' يلعن من فوقها ممثلى الاتجاه الإسلامى الصحيح ! وفى عصرنا هذا وصلت بنا مراحل الأمراض الاجتماعية والسياسية، إلى أقصى حدود الهوان والفوضى. وزاد الطين بلة، أننا ـ فى ضعفنا ـ اتصلنا بالغرب المادى فى قوته وجبروته. وللغرب عناصر حياته التى يعتمد عليها فى تفوقه وانطلاقه، وله كذلك هناته الشائنة. وهى لا تؤثر فيه ـ لا لتفاهتها ـ بل لغلبة عوامل القوة التى تقاومها ـ كما كنا قديما. غير أننا كنا أسرع من أى شىء آخر إلى تلقف هذه الهنات، ولم نحسب حضارة الغرب إلا متعا ولذاذات، فالتقت فى حياتنا التعسة نفايات كثيرة من أخطاء الماضى، ولوثات الحاضر، وأضحى على المصلحين أن يحملوا أثقالا فوق أثقال!.وأضحى على مفكرى الإسلام ـ خاصة ـ أن يشقوا طريقهم وسط صعاب وعقاب. إذ إن الذين تؤذيهم اليقظة الإسلامية كثيرون، فكم من ظلم سينقصم، ومن وَهْمٍ سينكشف، ومن كبراء سيصغرون، ومن محتلين سينزلون . محمد الغزالي