ليس فى الإسلام إذن انفصال بين العمل للدنيا والعمل للأخرى فإن العمل للدنيا بطبيعته يتحول إلى عبادة ما دام مقرونا بشرف القصد وسمو الغاية. وليس فى الإسلام تغليب للجسد على الروح، ولا للروح على الجسد، إنما فيه تنظيم دقيق يجعل معنويات الإنسان هى التى تتولى قياده وتمسك بزمامه، فلا هو براهب يقتل نداء الطبيعة، ويميت هواتف الفطرة، ولا هو مادى يتجاهل سناء الروح وأشواقها إلى الرفعة والخلود. إن الإسلام يلح على كل إنسان فوق ظهر الأرض، ألا ينسى نسبه السماوى، وألا يتجاهل أصله المنبثق من روح الله. وللجسد حقوق مقدرة، وقد قال الله فى وصف أنبيائه : (وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام و ما كانوا خالدين) لكن توفير هذه الحقوق ليس إلا وسيلة لصيانة الفؤاد والفكر، وحماية القلب والعقل، ما أشبه هذا الجسم بزجاجة المصباح الكهربائى، إنها هى التى تصقل الضوء، وتمد الشعاع، فلو انكسرت ذهب النور واحتبس التيار.
محمد الغزالي