إن الأمة التي يفشو فيها أكل أجور العامل، وغصب حقوقه الواضحة، ليست الأمة التي تعيش في ضمان السماء، أو التي تتوقى نكبات الحياة، أو التي إذا أصابها حرج توقع لها الفرج، بل على العكس، لا تكاد تتردى في هاوية حتى تجد من يتقدم ليهيل عليها التراب لا لينجدها: (وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون). وذلك سر نجاح الثورات الكبرى في هذه الحياة!. إنها تندلع في نظم قد دب فيها البلى، وطال منها الظلم، وابتعد عنها التوفيق، وأدبر عنها النجاح، فما تكاد نذر التمرد على الطغيان والاستبداد تظهر في الأفق حتى يفغر التاريخ فمه ليبتلع دولة شاخت، ويسلكها في عداد الذكريات المرة، وليتأذن بميلاد دولة جديدة ونظام جديد تتعلق به آمال البشر كرة أخرى .
محمد الغزالي