ما الذى صنعه محمد على؟ لم يستطع أن يحيى. ولكن استطاع أن يميت. كان معظم قوة الجيش معه.. وكان صاحب حيلة بمقتضى الفطرة٬ فأخذ يستعين بالجيش وبمن يستميله من الأحزاب على إعدام كل رأس من خصومه٬ ثم يعود بقوة الجيش وبحزب آخر على من كان معه أولا وأعانه على الخصم الزائل٬ فيمحقه وهكذا حتى إذا سحقت الأحزاب القوية٬ وجه عنايته إلى رؤساء البيوت الرفيعة. فلم يدع فيها رأسا يستقر فيه ضمير `أنا`... واتخذ من المحافظة على الأمن سبيلا لجمع السلاح من الأهلين٬ وتكرر ذلك منه مرارا حتى فسد بأس الأهلين وزالت ملكة الشجاعة فيهم. وأجهز على ما بقى فى البلاد من حياة فى أنفس بعض أفرادها فلم يبق فى البلاد رأسا يعرف نفسه حتى خلعه من بدنه أو نفاه مع بقية بلده إلى السودان فهلك فيه. أخذ يرفع الأسافل.. ويعليهم فى البلاد والقرى كأنه يحن لشبه فيه ورثه عن أصله الكريم ! حتى انحط الكرام وساد اللئام٬ ولم يبق فى البلاد إلا آلات له يستعملها فى جباية الأموال وجمع العساكر بأية طريقة٬ فمحق بذلك جميع عناصر الحياة الطيبة من رأى وعزيمة واستقلال نفس. ليصير البلاد المصرية جميعها إقطاعا واحدا له ولأولاده بعد إقطاعات كانت لأمراء عدة. ماذا صنع بعد ذلك؟ اشرأبت نفسه لأن يكون ملكا غير تابع للسلطان العثمانى٬ فجعل من العدة لذلك أن يستعين بالأجانب من الأوربيين٬ فأوسع لهم في المجاملة٬ وزاد لهم فى الامتياز٬ حتى صار كل صعلوك منهم لا يملك قوت يومه ملكا من الملوك فى بلادنا٬ يفعل ما يشاء ولا يسئل عما يفعل٬ وصغرت نفوس الأهالي بين أيدى الأجانب بقوة الحاكم٬ وتمتع الأجنبى بحقوق الوطنى التى حرم منها٬ وانقلب الوطنى غريباً فى داره غير مطمئن فى قراره فاجتمع على سكان البلاد المصرية ذلان.. ذل ضربته الحكومة الاستبدادية المطلقة.. وذل سامهم الأجنبى إياه ليصل إلى ما يريده منهم.. غير واقف عند حد أو مردود إلى شريعة. لا يستحى بعض الأحداث من أ .
محمد الغزالي