خلق الإنسان بطبيعة متشعبة الهوى والوجهة٬ خلقه قادرا على أن يذهب يمنة ويسرة كيف شاء . وتلك هى إرادة الله له٬ فلا جبر٬ ولا إكراه . إن بعض الأغرار يفهمون الإرادة الإلهية على نحو يشينه الجهل والقصور . إنهم يحسبونها شيئا كخبط العشواء٬ أو هى الصدف العمياء٬ أو هى ما يتم دون مقدمات٬ أو هى المقدمات التى تجتمع ولا تنتج.. وهكذا . وهم يضعون- لمجموعة هذه التصورات المضطربة- عنوان القضاء والقدر والإسلام برىء من هذا الخلط .. إن الله لا يكره أحد على أمر بداهة٬ فإرادته منفردة بالعلو المطلق فى هذا الوجود! وأين هو الذى يعترض مشيئته والكل يستمد وجوده منه ؟ لكن أولى الألباب يجب أن يدرسوا معنى هذه الإرادة! فإن خصائص الأشياء٬ وطبائع القوى٬ وميزات الخلائق٬ هى المظهر الثابت الحكيم لهذه الإرادة الجليلة. إرادة الله أن يكون الحيوان أعجم٬ معناها أن وظيفته فى الحياة محكومة بجملة الصفات المادية الميسرة له . وإرادة الله أن يكون الإنسان عاقلا مكلفا٬ معناها أن رسالة الإنسان فى الحياة محكومة بما أضفى الله عليه من مواهب٬ وما خصه به من طاقة وحرية . فالإنسان الذى ينسلخ من إرادته وقدرته٬ ويزعم أنه كالحيوان الأعجم٬ أو كالنبات المحدود إنسان كاذب على ربه وعلى وجوده .
محمد الغزالي