لو نظرنا بنظرة الطائر من أعلى إلى شريط حياتنا الفكرية و العمرانية و الحضارية و الانتاجية من خلال القرن العشرين كله لنرى المعالم الكبرى، سنجد الذي فات من مرحلتين. مرحلة فيها صعود، ومرحلة التي نعيشها الآن وأخشى أن أقول ليست صاعدة. لكن الركود، الركود الذهني، الفكري، الانتاجي الجيد، معناه في نظري هو تأهب لمرحلة جديدة. وإذا انتقلنا إلى مرحلة جديدة كما أتوقع، سنصل إلى المرحلة التي تتوافى نقص المرحلة الماضية ونقص هذه المرحلة. ما هو النقص؟ كان الجيل الماضي، العشرينات والثلاثينيات و ما قبل ذلك، كانوا حقيقة أعلام، لكن لا ننسى أن الجانب الإبداعي كان قليلا. هم عظماء، لكن الإبداعية قليلة. هم عظماء في عهد الثقافات. الثقافتين بصفة خاصة هما تراثنا العربي القديم، وتيارات الفكر في الغرب. وأجادوا أينما إجادة. فكأنهم كانوا يقرأون لنا ونقرأ، ولا يكتبون بمعنى الكتابة الصحيح. ومعنى الكتابة الصحيح لابد أن يكون فيه إبداع، فيه أصالة. هم لم يكونوا ذوي باع طويل في جانب الإبداع. المرحلة التي نحن فيها الآن كلها إبداع تقريبا، ولكنه إبداع ينقصه القراءة، وهذا وجه النقص. فيأتي إبداع سطحي وهم لا يشعرون. أتصور أن المرحلة الثالثة ستجمع بين الطرفين، ستجمع بين القوة الإبداعية والعمق الذي يستفاد من القراءات. لأن القراءات مزيج من خبرات، إنما خبرات العالم والإنسانية. لو اجتمع لنا عمق وإبداع، في الإخراج، ففد توصلنا. ولم نصل بعد، وأعتقد أن هذه المرحلة الآتية بإذن الله.
زكي نجيب محمود