و ربما كانت أشيع خطايانا هي الجزافية في التعبير .. الجزافية في التعبير عن الحب .. و المبالغة في كلمات الإعجاب .. و الإسهال في لغة الصداقة .. و الغِلظة في الخصومة .. و الحِدّة في الإدانة .. و التَرَخُص في الإتهام .. و التجاوز في التجريح .. و كلها كلمات نطلقها بلا تَحَسُب فتتحول بعد خروجها إلى طاقة مجنونة لا سلطان لنا عليها .. فتُدمي قلوباً .. و تَفصِم روابط .. و تُزلزِل نفوساً .. و ينكر الأخ أخاه .. و الحبيب حبيبه .. و لا يعود كل منا هو هو .. و ننظر إلى بعضنا البعض كأننا غرباء افتقدوا الألفة . و إذا بصديق الأمس الإنسان النادر قد أصبح خصيم اليوم .. الإنسان الرخيص المهلهل السيرة .. لمجرد تباديل و توافيق في لعبة الكلمات ، و تباديل و توافيق في الأشخاص .. و بلا حُجة سِوَى حُجة القلوب التي تتقلب مع هَوى اللحظات . و يهمس الواحد في نفسه .. لا أصدق أنها هي هي التي تتكلم .. مستحيل .. هذه امرأة لا أعرفها تكلم رجلاً آخر لا أعرفه . و كان أكثر احتراماً لنا أن نراقب أنفسنا في الكلمة التي نطلقها حتى لا تستهوينا لذة العبارة .. و حتى لا يسرقنا سِحر الألفاظ فنتبادل حُباً هو عداوة .. و نزاول عداوة هي حب .. و نغرق في كلمات هي تَرف .. و يلوذ الواحد منا بالآخر فيطمئن إليه و هو لواذ القلق بالقلق .. و لكن خيمة الألفاظ الحانية هي التي نشرت هذا العطر الخادع المخدر للحواس فأوحت للإثنين بأن كلاً منهما قد وجد السكن .. و ما هو بسكَن .. و إنما هو مجرد محطة استراحة من لهاث الحياة العقيم .
مصطفى محمود