نعلم من خبراتنا المباشرة أن العذاب لا يتناقض مع الرحمة بل يكون أحياناً هو عين الرحمة .. فهناك نفوس لا تستفيق إلا بالعذاب .. بل تكاد تكون القاعدة أن القلب لا يصحو إلا بالألم . والنفس لا تشف وترهف إلا بالمعاناة , والعقل لا يتعلم إلا بالعبرة , والقدم لا تأخذ درساً إلا إذا وقعت فى حفرة .. فجهنم الدنيا لا تتنافى مع العدل الإلهى إذا نظرنا للأمور كلها نظرة شاملة .. والحالات الفردية التى نعجز فيها عن رؤية الحكمة فى العذاب والتعذيب يكون سببها جهلنا وقصورنا عن الإحاطة بها وليس أبداً ظلم الله .. جهنم إذن موجودة بكل درجاتها فى النموذج المصغر والعينة التى نعيشها والتي اسمها الدنيا .. هى موجودة من الحريق الفعلي الذى يسلق الجلد نزلا إلى الألم النفسى والمعنوى .. وكلها من تدبير الله وفعله وخلقه .. وكلها رحمة .. وكلها حكمة أحيانا تظهر لنا وأحياناً تخفى علينا .
مصطفى محمود