ما أخبار الغمازتين اللتين كانتا تقتلانني كلما ضحكتِ؟!هل مازالتا تتشكلان على خديك كأنهما حبتا لوز سقطتا في إناء من حليب؟!أم أنك سمنتِ وانتفخ خداك فلم تعودا للظهور ثانية؟!
يا ابنتي...أي ثوب تلبسين؟! فإنا مالبسنا مذ دخلنا إلى هنا إلا ثوب المهانة!! أي ماء تشربين؟! فإنا ماشربنا مذ وقرنا هنا إلا ماء المعرة!! أي طعام تأكلين؟! فإنا ما أكلنا مذ قبعنا في أقبيتنا إلا طعاما من ضريع (لايسمن ولا يغني من جوع)!! أي حذاء تلبسين ؟!فإنا مالبسنا ما مشينا على صفيح النار إلا جلودنا تحت أرجلنا التي تشققت مئات المرات؟! يابنتي كل هذا يهون إذا كنتِ بعافية وإذا كانت أمك تتدبر أمر الحياة.
يا ابنتي...ليس في الحياة أسوأ من غياب أبٍ حانٍ على أبنائه عنهم؟! غير أن الأفدح أن تكوني موجودة في حياتي ولا أكون موجودا في حياتك!! أن أعد كل ثانية تمرعلي هنا من ملايين الثواني على أمل الخلاص...الخلاص الذي سيجعلني أرى وجهك من جديد، ثم لا يكون لي في قلبك أي قبول... وأنتهي أمام قدميك كورقة يابسة!!
يا ابنتي...إنني على أمل أن أمك حدثتك عني... لاأدري كيف ساقت لك هذا الحديث، وماذا قالت؟! يقولون : إنني مت وإنهم دفنوني . ليس صحيحا . إنني أقاوم . إنني أقاتل من أجلك. لن أموت قبل أن أراكِ ولن يدفنوني قبل أن تكتحل عيناي بك. غير أنني سأكون ميتا بالفعل إذا صدقت ذلك . إنهم يمتهنون الكذب في بلادي، إنهم يعتاشون به. فليفعلوا، ليأخذوا مني حياتي ولكن لن أسمح لهم بكذبهم أن يأخذوك مني!! أنت ما تبقى من نور عيني لكي أرى . أنت ما تبقى من أنفاسي لكي أعدها!!
ّيا ابنتي...ماذا أقول؟! كلما خلوت إلى نفسي لكي أسمعك في ليالي المظلمة هنا صرخ الحارس اللعين فأفسد علي حضورك البهي إلى عالمي ؟! كلما استجلبت السكون ملأني ضجيجا بنباحه الذي لا ينتهي...تحضرين كأنك ملاك يحرسني من الوحوش. صورتك التي أحفظها حين غادرتك وقد أكملتِ عامك الأول تنمو معي في وحشتي هذه كل يوم...أزيد على تلك الصورة كل مرة شيئا؛ أقول : العينان الضيقتان اتسعتا.اليدان الصغيرتان كبرتا.شعرك القصير طال قليلا...فمك المطيب استدار أكثر...ومشيتك المتهادية صارت أوثق وأسرع...أفعل ذلك في خيالي...وأشكلك في عالمي كما أشتهي ...فتأتين قمرا يضيء علي العتمات...ويفرج عني الكربات وينتشلني من الوهدات ويطير بي إلى عالم السموات...!!
أيمن العتوم