إن رغبتنا هي التي تصنع المشكلة و تخلق تعارضا بين ما نريده و ما هو موجود.. إنها هي التي تحفر الخندق الواسع بين الحلم و الحقيقة.. هي التي تلّح على الواقع طالبة تغييره بواقع آخر في خيالنا.. و هي لا تفهم.. و لا تناقش.. و إنّما تًلح و تًلحّّ.. و لا تتعب.. و لا تقبل التعقّل.. و العقل.. أمام نيران الرّغبة التي تحرقه، لا يجد مفرّا من مواجهة الواقع و تدبّر الوسائل لتغيره و تكييفه ليصبح مرغوبا و هو يحتاج لوقت.. و الرغبة تصرخ و تريد كلّ شيء في الحال.. و الواقع جامد و لا يطاوع التغيير بسرعة و الإمكانيات محدودة و الحرية محدودة.. و الزمان و المكان و الظروف و البيئة و الناس قيود تضيف إلى كاهلنا أثقالا و تجعلنا قليلي الحيلة أمام رغباتنا. إننا نصطدم في كل لحظة بما نرغب و هذا هو سر الإشكال في الحياة. و هذا الصدام هو نواة القلق.. لأن معناه أن هناك شيئا ما ينقصنا.. و هذا الشيء غير موجود.. و قد لا نستطيع إيجاده.. و هذا يضعنا أمام واحد من حلّين.. إمّا أن نتنازل عن رغباتنا ف نحرم من شيء نحبّه.. وهي نهاية مؤلمة، وإماّ أن نتنازل عن واقعنا فننتحر أو نجنّ.. وهذه نهاية أكثر إيلاما.. ومن هنا ينبت الخوف و التوتّر والتناقض.. والألم.. ومن هنا ينبع الإشكال.. ومن هنا تصبح حياتنا سلسلة من القضايا.. وسلسلة من المآزق .
مصطفى محمود