أمّا أولئك الذين يُدْعون بالتقدميين أو العصريين أو المستغربين إلى غير ذلك مما يسمون به أنفسهم .. فإنهم يمثلون في الحقيقة سوء حظ هذه الأمة المسلمة . إنهم كثرة كثيرة .. ذات نفوذ و تأثير . إنهم يهيمنون بشكل ملحوظ على الحكومات و على التعليم و الحياة العامة . و هم يرون في فئة المحافظين تشخيصًا للإسلام .. و يدعون الآخرين إلى أن ينظروا نفس النظرة .. و هكذا استطاع دعاة الحداثة أن ينشئوا جبهة ضد كل ما تمثله الفكرة الإسلامية . و نستطيع التعرف على هؤلاء الذين أقاموا اليوم من أنفسهم مصلحين في البلاد المسلمة من خلال فخرهم بما كان يجب أن يخجلوا منه ، و خجلهم مما كان يجب أن يفخروا به .. ! إنهم أبناء آبائهم فقد تعلموا في أوروبا ثم عادوا من هناك بشعور عميق بالدونية تجاه العالم الغربي المتقدم الغني ، و شعور بالاستعلاء على مجتمعاتهم التي جاءوا منها و قد أحاط بها الفقر و التخلف . لقد حُرموا من التربية الإسلامية الصحيحة و فقدوا كل صلة روحية أو أخلاقية بشعوبهم و من ثم فقدوا معاييرهم الأولى و أصبحوا يتخيلون أنهم بتخريب الأفكار المحلية و التقاليد و المعتقدات و بتقديم أفكار غريبة سيقيمون أمريكا _ التي يكنّون لها إعجابًا مبالغًا فيه _ على أرض بلادهم في يوم و ليلة . إنهم بدلًا من العمل على تطوير إمكانات بلادهم الخاصة ذهبوا ينفخون في شهوات الناس و يضخمون رغباتهم المادية ، فأفسحوا بذلك الطريق أمام الفساد و الفوضى الأخلاقية ، إنهم لم يستطيعوا أن يفهموا أن قوة العالم الغربي لا تكمن في طريقته في الحياة . و إنما في طريقته في العمل ... و أن قوته ليست في الموضة و الإلحاد و أوكار الليل و تمرد الشباب على التقاليد ، و إنما تكمن في الكدح الذي لا مثيل له ، و في المثابرة و العلم و الشعور بالمسئولية التي تتميز بها شعوبهم .
علي عزت بيجوفيتش