وكأنني قد متُّ قبل الآن أَعرفُ هذه الرؤيا ، وأَعرفُ أَنني أَمضي إلى ما لَسْتُ أَعرفُ . رُبَّما ما زلتُ حيّاً في مكانٍ ما، وأَعرفُ ما أُريدُ سأصيرُ يوماً ما أُريدُ .. سأَصيرُ يوماً فكرةً . لا سَيْفَ يحملُها إلى الأرضِ اليبابِ ، ولا كتابَ كأنَّها مَطَرٌ على جَبَلٍ تَصَدَّعَ من تَفَتُّح عُشْبَةٍ ، لا القُوَّةُ انتصرتْ ولا العَدْلُ الشريدُ .. سأَصير يوماً ما أُريدُ .. سأصير يوماً طائراً ، وأَسُلُّ من عَدَمي وجودي . كُلَّما احتَرقَ الجناحانِ اقتربتُ من الحقيقةِ ، وانبعثتُ من الرمادِ . أَنا حوارُ الحالمين ، عَزَفْتُ عن جَسَدي وعن نفسي لأُكْمِلَ رحلتي الأولى إلى المعنى ، فأَحْرَقَني وغاب . أَنا الغيابُ . أَنا السماويُّ الطريدُ . .. سأَصير يوماً ما أُريدُ .. سأَصير يوماً كرمةً ، فَلْيَعْتَصِرني الصيفُ منذ الآن ، وليشربْ نبيذي العابرون على ثُرَيَّات المكان السُكَّريِّ ! أَنا الرسالةُ والرسولُ أَنا العناوينُ الصغيرةُ والبريدُ .. سأَصير يوماً ما أُريدُ .. هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في مَمَرِّ بياضها . هذا هُوَ اسمُكَ ، فاحفظِ اسْمَكَ جَيِّداً ! لا تختلفْ مَعَهُ على حَرْفٍ ولا تَعْبَأْ براياتِ القبائلِ ، كُنْ صديقاً لاسمك الأُفُقِيِّ جَرِّبْهُ مع الأحياء والموتى ودَرِّبْهُ على النُطْق الصحيح برفقة الغرباء واكتُبْهُ على إحدى صُخُور الكهف ، يااسمي : سوف تكبَرُ حين أَكبَرُ سوف تحمِلُني وأَحملُكَ الغريبُ أَخُ الغريب سنأخُذُ الأُنثى بحرف العِلَّة المنذور للنايات يا اسمي: أَين نحن الآن ؟ قل : ما الآن ، ما الغَدُ ؟ ما الزمانُ وما المكانُ وما القديمُ وما الجديدُ ؟ .. سنكون يوماً ما نريدُ .. لا الرحلةُ ابتدأتْ ، ولا الدربُ انتهى لم يَبْلُغِ الحكماءُ غربتَهُمْ كما لم يَبْلُغ الغرباءُ حكمتَهمْ ولم نعرف من الأزهار غيرَ شقائقِ النعمانِ ، فلنذهب إلى أَعلى الجداريات : أَرضُ قصيدتي خضراءُ ، عاليةُ ، كلامُ عند الفجر أَرضُ قصيدتي وأَنا البعيدُ أَنا البعيدُ. محمود درويش