ثم رأيتني أسأل سيد زناتي ولكن في صيغة شبه تقريرية: (أنت طبعاً كنت تتمنى أن تتواصل الدراسة فتصبح شاعراً أو أديباً مرموقاً؟) فبثقة شديدة، وبكل بساطة: (في الأول كنت كما تقول! لكنني ما من شريد بائس قابلته في الحياة إلا ويتضح لي أنه من هواة الأدب والشعر والزجل، وأنه بسبب هذه الهواية المهببة ركبه البؤس فلا حصَّل ولا وصَّل! وفي يوم رأيت بيرم التونسي جالساً على مقهى يأكل كسرة فول ويتخانق مع الجرسون على قرش تعريفة! كان منظره يصعب على الكافر، ولحظتها كان صوت أم كلثوم في راديو المقهى يصدح بأغنية الأمل صارخاً: ما التقتش إليك وسيلة!، ولم يكن الجرسون يعرف بالطبع أن هذا البائس الذي يصر على استرداد قرش تعريفة، هو نفسه مؤلف هذه الأغنية الفيَّاضة بالكرم والنور والخير! ولو عرف لما صدق أن هذا الرجل محتاج لهذا القرش فعلاً! لحظتها طلقت هذه الهواية بالثلاثة! وأنا الآن كما ترى فل! أعيش كما أهوى! حر نفسي! أضع رجلي في عين التخين! آكل أحسن أكل! ألبس أفخر لبس، أفعل ما يحلو لي! فاسمع نصيحتي ونفَّض دماغك من هذه الأمنيات الطموح المكلفة إن كنت تريد أن تعيش لك يومين في أمان ولذة واطمئنان!).
خيري شلبي