محمود درويش
عذَّبْتَنَا يا حبُّ . من سَفَرٍ إلى سَفَرٍ تُسَفِّرنا سدى . عَذَّبتنَا ، غَرَّبتنا عن أهلنا ، عن مائنا وهوائنا . خَرَّبتنَا . أفرغتَ ساعات الغروب من الغروب . سلبتنَا كلماتنا الأُولى نهبْتَ شُجَيْرةَ الدُرَّاق من أيامنا ، وسلبتنا أيامنا . يا حُبُّ قد عَذَّبتَنا ، ونهبتنَا . غرّبْتنَا عن كُلِّ شيء واحتجبْتَ وراء أوراق الخريف . نهبتنا يا حب . لم تترك لنا شيئاً صغيراً كي نُفَتِّش عنكَ وكي نقبِّل ظلِّه ، فأتركْ لنا في الروح سنبلة تحبُّكَ أَنت . لا تَكْسِر زُجَاجَ الكون حول نِدائنا . لا تضطربْ . لا تصطخبْ . واهدأْ قليلاً كي نرى فيك العناصر وهي ترفع عُرْسَها الكُليَّ نحوك . واقتربْ منا لنُدرك مَرَّةً : هل نستحقُّ بأن نكون عبيد رَعْشَتِكَ الخفيةِ ؟ لا تبعثر ما تبقَّى من حُطام سمائنا . يا حبُّ قد عذّبتنا ، يا حب ، يا هِبَةً تُبَدِّدُنا لترشد غيبنا فيهبّ هذا الغيب ليس لنا وليس لنا مصبُّ النهر، والدنيا تهبُّ أمامنا ورقاً من السّرْوِ القديم ليُرْشدَ الأشواق للأشواق . كم عذَّبتنَا يا حُبُ ، كم غيّبْتَنَا عن ذاتنا ، وسلبتنَا أسماءنا يا حُبُّ
اقتباسات أخرى للمؤلف