هبطت على الرصيف فهالني الزحام والأصوات العالية التي يتكلم بها الجميع، أحاطت بي وجوه سمر متشابهة، يصرخون في وجوه بعضهم البعض ويُلوحون بأيديهم ويمضون في كل اتجاه، كانت ملابسهم أشبه بالأسمال، يُحيط بهم الذباب والغبار، هل يُمكن أن يكون هؤلاء الناس هم الذين صنعوا الأشياء الجميلة المحفوظة في قاعة اللورد؟ ظللت واقفا حائرا، لا أدري إلى أين أذهب، عبر من أمامي حمال عجوز، محني الظهر يحمل صندوقا من خشب، رأيت وجهه في لمحة سريعة، عيناه واسعتان وأنفه كبير وعظام وجنتيه بارزة، كان واحدا منهم، من الوجوه المنقوشة على لوح الخشب المتهرئ في قاعة اللورد أمهرست، سرت ببطء شديد وسط زحامهم واكتشفت أنهم مازالوا هم، نزلوا من على جدران المعابد، وخرجوا من نقوش المقابر، أكثر بؤسا وأقل مهابة، يتحركون جميعا تحت هذه الشمس الحامية في عشوائية وحيرة، كأنهم يعيشون في زمن غير زمنهم، توقفت مدهوشا وعاجزا عن الحركة .
محمد المنسي قنديل