استعادت عافيتها وهي ترى ذلك المنظر المفتوح على شساعة السماء، أخيرا، نجت من سطوة الفخامة المهيبة، وما أيقظت فيها من أسى لا تعرف له سببا. فكرت أن الطبيعة مهما كانت مبهرة وخرافية، لا تشعرك بالنقص، ولا تلحق بك تشوهات نفسية. أنت لا تصغر وأنت تتأمل شلالات نياجرا الشاهقة، برغم ضخامتها، لأنك في الأصل كائن مائي، ابن ذاك الشلال. ولا تصاب بعقدة نقص وأنت عند أقدام الهملايا، برغم كونها أعلى قمة في العالم، فأنت ابن تلك الجبال، لأنك من تراب. ثم تثرى وتبني لك قصرا، في ضخامة كاتدرائية تناطح السماء، وإذا بك تصغر كلما وقفت أمامه. إنها خدعة الأحجام. لقد خُلقت المساجد والكاتدرائيات لتقزّم الإنسان، لأنها بُنيت على قياس الله لا على قياسك، فهي بيوته. لكن الإنسان يواصل بناء الأبراج معتقدا كلما قزّمته، أنه يزداد بطولها عظمة، وأنه يُنسب إليها لا للتراب. ويبالغ في تزيين جدران قصوره بالذهب، وإذا بعدنه يصدأ بينما يلمع كل شيء من حوله. من أين له هذا الغرور، والحجارة التي رفع بها أبراجه من خلق الله؟ ليتواضع قليلا، مادام عاجزا عن خلق أصغر زهرة برية تنبت عند أقدام قصره. فبمعجزتها، عليه أن يقيس حجمه.أحلام مستغانمي