إني أخشى أن تكون أوروبا موشكة على دفع الإنسانية إلى هوة .. إنها لتثوب أحياناً إلى رشدها، و تري مصيرها؛ فتقع في أزمة من أزمات الضمير: إنها لتستيقظ فيها الروح أحياناً فتشكك في نفسها، و يخيل إليها أن مدنيتها الخلابة ليست إلا بهرجاً و أن علمها الحديث كله و هو وحده الذي تتيه به على البشرية، في مختلف تاريخها ليس من حيث القيمة العملية غير ((لعب)) من صفيح و زجاج و معدن؛ قدمت للناس بعض الراحة في أمور معاشهم، و لكنها أخرت البشرية، و سلبتها طبيعتها الحقيقية، و شاعريتها، و صفاء روحها ! ... إن السكك الحديدية و الطيارات قد أعطتنا السرعة و توفير الوقت، و لكن ما فائدة ذلك؟ ... و لماذا السرعة ...؟ ... و لماذا توفير الوقت ؟! .. كأنما قد هبطت علينا شياطين تلهب ظهورنا بالسياط ! .. و ما نحن إلا قطرات ماء في نهر الحياة .. ما حظنا من سرعة التيار، و اندفاعه إلى البحر ؟! .. إنما حظنا الأكبر: في التمهل نحو الأعشاب الناتئة، و السكون عند شواطئ الجز، يداعبنا النسيم ! .. من الذي استفاد من هذه السرعة الملعونة غير قبضة من النهمين جمعوا في أيديهم الثروات، و سموا بالرأسمالييّن !.. أنا أنا و أنت و بقية الآدميين الوادعين فقد خسرنا تلك الرحلات الطويلة على ظهور الجياد أو الإبل، ننزل في كل مرحلة، ننعم بالطبيعة في أشكالها المختلفة، و في أوقاتها المختلفة !... نعم كسبنا السرعة و لكن خسرنا ثروة النفس التي تنمو باتصالها المباشر بالطبيعة، إنما اليوم نفرح بكلمة السرعة و ننسى إنها ليست سوىَ إغفاءة، نقضيها في عربة قطار، يمرق بنا في نفق مظلم، و يوصلنا في وقت قليل إلى حيث أردنا. و لكنا لا نعرف بعد ذلك ماذا نصنع بالوقت الباقي؛ فننفقه في الحمق و السخف...
اقتباسات أخرى للمؤلف