المبدع وإن اعتزل العالم فهو لا يعتزل هرباً من الناس، ولا من آلام الناس، ولكنه يعتزل رحمة بالناس، يعتزل ليتحضن هم الناس سواء كانوا من ذوي قربى، أو كانوا من ذوي غربة، لأنه لا يشفق على قدر الإنسان في هذا الوجود إلا من عرف حقيقة هذا الوجود.. ولهذا فهو لا يكتفي بالتعاطف معهم جهاراً أو بالتنازل عن عزلته ليقاتل أعداء الحياة إلى جوارهم، ولكنه يتمثل أوجاعهم ليجهلها في متونه شجناً، يبدعها حنيناً فيهب بذلك آلامهم قيمة خالدة، لأن من وهب قلبه للعالم وحده يستطيع أن يستجيب لوجع طفل بكى في الفليبين، فكيف بطفل يموتُ في فلسطين؟ أو طفلة تُستباح في العراق! لأن المبدع نفسه ليس سوى هذا الطفل الذي يعلم أن العالم كله لا يستطيع أن يفتدي دمعة طفل.. إبراهيم الكوني