وكان الناس بعد قتل عمر آمنين مطمئنين يشوب أمنهم واطمئنانهم شيءٌ من الحزن على هذا الإمام البرّ الذي اختُطف من بينهم غيلةً، لا عن ملأ من المهاجرين والأنصار، ولا عن ائتمار به من أهل الثغور والأمصار. فكان قتله عنيفاً يسيراً في وقت واحد. لم يصوّره أحد بأبلغ مما صوّره به عمرُ نفسُه حين تلقَّى الطعنة التي قتلتْه، ثم تولى وهو يتلو قول الله عز وجل: ﴿وكَانَ أمرُ الله قدَراً مقْدُوراً﴾. كانت وفاة عمر إذاً قدراً من القدر لم تتألّب عليه جماعة ولم يأتمر به ملأ من المسلمين، وإنما اغتاله مغتالٌ غير ذي خطر فساق إليه موتاً لم يكن منه بُدّ. فأما مقتل عثمان فكان نتيجة ثورة جامحة وفتنة شُبِّهت فيها على الناس أمورهم، إذ لم يكن أحدهم يعرف أكان مقبلاً أم مدبراً. وكان نتيجةَ خوف ملأ المدينة كلها أياماً طوالاً ثم انتشر منها في أقطار الأرض فاضطربت له النفوس أشد الاضطراب، وجهز العمَّال جنودهم لا ليرسلوها إلى حيث كان ينبغي أن تُرسَل من الثغور، ولكن ليرسلوها إلى عاصمة الدولة وقَلْبها ليردوا إليها الأمن ويجلوا عنها الخوف وليستنقذوا الخليفة المحصور. فلم تبلغ الجنود قلبَ الدولة ولا عاصمتها وإنما قُتل الخليفة قبل ذلك، فعاد الجند إلى امرأتهم وتركوا المدينة يملؤها الخوف والذعر ويسيطر عليها القلق والاضطراب. طه حسين