ولست أستطيع أن أحدثك عن سقراط دون أن ألفتك إلى أنه لم يتول قيادة الفكر اليوناني إلا بعد أن ارتقى هذا الفكر ، وانتهى من الرقي إلى حد عجيب ، وأن الفلسفة سلكت من قبله طرقًا مختلفة شديدة الالتواء وأفلست فيها واحدة بعد أخرى ، وأن هذه الفلسفة التي أفلست في آخر الأمر كانت أيام انتصارها مشرفة على العقل اليوناني ، تقوده وتدبره ، وتنتهي به إلى الخير ، ولكن هذا العقل كان شديد التطور سريع الاستحالة ، فلم يكن بدٌّ لتلك المذاهب الفلسفية من أن تنتهي إلى ما انتهت إليه من إفلاس ، ولم يكن بدٌّ من أن يظهر مذهب فلسفي جديد يلائم هذه الحياة الجديدة التي انتهى إليها العقل اليوناني في آخر القرن الخامس قبل المسيح . طه حسين