أدهشني إصرار الرجل على أكل العيش الحاف ،وأفهمته أن الفول زي الزبدة وأن الطعمية مدهشة... فوجدته يهز رأسه موافقًا ويقول : -ولهذا لم آكل منهما. -ولم؟ - حتى لا أعود فأبطر على العيش الحاف ؛لقد تعودت أن أعيش على العيش الحاف... وأصبحت أجد فيه كفايتي ؛فلم أفسد نفسي بإعطائها نعمة طارئة؟ سيصيبني فقدها بألم أكثر من المتعة التي أصبتها من الحصول عليها ،خذها مني نصيحة يا صاحبي.. لا تقبل النعمة الطارئة قط. لا تفرح بالكثير المنقطع ؛سيجعلك تكفر بالقليل الدائم الذي وطَّنت نفسك على قبوله والرضا به. إذا كنت تسير على قدميك فإياك أن تركب برهة ،وإلا ذاقت قدماك نعمة الركوب والراحة ،وكرهت السير الذي طالما اعتدته. إن الإنسان يظل قانعًا بما وهبه الله له... مهما قلّ ،راضيًا سعيدًا بما منحه إياه ،مهما ضؤل وحقر ؛حتى يذوق ما في يد غيره ،ويحس بما أنعم الله به على سواه ؛فإذا به قد كفر وبطر وأحس بالشقاء والتعاسة. أجل يا صاحبي.. إن مبعث شقائنا في الحياة هو المقارنة بين النعم ... هل علمت لما لا آكل الفول والطعمية.. حتى لا أكتشف مرارة العيش الحاف. يوسف السباعي