ولم تكد العربة تصل إلى بابها حتى أمر شوشة ابنه بالوقوف في الخارج. ووقف سيد أمام الباب، وهو يهز رأسه أسفا أهكذا قد حرم عليه الدخول إلى الجنة .. ولما؟ .. من أجل جوافاية لا هنا ولا هناك؟ لا . لا . يجب أن يعطيه أبوه فرصة أخرى. هذا ظلم وعندما انتهى أبوه من تفريغ القرب في الداخل وخرج يدفع العربة من الباب الكبير .. رفع إليه سيد رأسه متسائلا: - لماذا لم تدعني أدخل معك؟ - لأنك لا تؤتمن على الدخول. - كيف؟ - ألا تدري كيف ؟! -لا ... - لأنك سرقت الجوافة من الشجرة، وأول رأسمال السقا .. هي الأمانة. - ولكن ما فعلته ليست سرقة. - ماهي السرقة إذا؟ -هي أن تأخذ ما للمحتاج لغير المحتاج - ما شاء الله .. من قال لك هذا؟ -شيء بالعقل. -السرقة هي أن تأخذ ماليس لك. - من قال هذا؟ -ربنا. -لا أظن ربنا يقول هذا! -استغفر -أستغفر الله العظيم.. ولكني مع ذلك أصر على أنه لا يقول هذا. - ماذا يقول إذا؟ - أعتقد أن أخذ ما للغير إذا كنا في حاجة إليه أكثر منه لا يعتبر سرقة .. إنها مساعدة لله في توزيع نعمه .. وإقرار عدالته .. فنحن في الواقع لا نأخذ ما للغير، ولكننا نأخذ ما لله الفائض عن حاجة الغير، إنها معاونة لله لا أكثر ولا أقل .. أفيغضب ذلك الله؟ - الله ليس في حاجة إلى معاونة أحد .. وهو أدرى بتوزيع ماله على عبيده، ونحن أعجز من أن نحكم على حاجات سوانا .. إن فينا من الأنانية ما يعمينا إلا عن حاجتنا .. فما من بشر يحس بحاجة غيره .. وما من بشر يحس بالفائض عن حاجته .. فهو أبدا في حاجة، وغيره في غير حاجة. - على أية حال لا أظن أهل السراية في حاجة ماسة إلى الجوافاية التي كنت سآكلها. - ولا أنت أيضا في حاجة ماسة إليها، ولكن المسألة أن الله وهبها لهم ولم يهبها لك .. ولكل ما وهبه الله .. وواجبنا في هذه الحياة هو أن نخلص في عملنا، ونتقبل بعين قريرة نتيجة هذا العمل. - وهذا ما كنت أنويه فعلا، لقد أخلصت في الصعود على الشجرة، وأؤكد لك أنه لم يكن بالعمل الهين، بل كان يحتاج إلى جهد كبير، وكنت أنوي قبول الجوافاية .. نتيجة هذا العمل .. بعين قريرة، ولكن لم يحدث قسمة. ولم يستطع الأب العبوس أن يمنع ضحكته وقال لابنه: - نتيجة هذا العمل .. كان يجب أن تكون دق عنقك فهذا ليس عملك الطبيعي، بل هو عمل شرشر خرجت به عن جادة الصواب. يوسف السباعي