أنا رجل من غمار الموالي، فقير الأرومة و المنبت فلا حسبي ينتمي للسماء، و لا رفعتني لها ثروتي ولدت كآلاف من يولدون، بآلاف أيام هذا الوجود لأن فقيراً ـ بذات مساء ـ سعي نحو حضن فقيرة و أطفأ فيه مرارة أيامه القاسية نموت كآلاف من يكبرون، حين يقاتون خبز الشموس و يسقون ماء المطر و تلقاهم صبية يافعين حزاني علي الطرقات الحزينة فتعجب كيف نموا و استطالوا، و شبت خطاهم و هذي الحياة ضنينة تسكعت في طرقات الحياة، دخلت سراديبها الموحشات حجبت بكفي لهيب الظهيرة في الفلوات و أشعلت عيني ، دليلي ، أنيسي في الظلمات و ذوبت عقلي، و زيت المصابيح، شمس النهار علي صفحات الكتب لهثت وراء العلوم سنين، ككلب يشم روائح صيد فيتبعها، ثم يحتال حتي ينال سبيلاً إليها، فيركض ينقض فلم يسعد العلم قلبي، بل زادني حيرة راجفة بكيت لها و ارتجفت و أحسست أني ضئيل كقطرة طل كحبة رمل و منكسر تعس، خائف مرتعد فعلمي ما قادني للمعرفة و هبني عرفت تضاريس هذا الوجود مدائنه و قراه ووديانه و ذراه و تاريخ أملاكه الأقدمين و آثار أملاكه المحدثين فكيف بعرفان سر الوجود، و مقصدي مبتدأ أمره، منتهاه لكي يرفع الخوف عني، خوف المنون، و خوف الحياة، و خوف القدر لكي أطمئن سألت الشيوخ، فقيل تقرب إلي الله، صل ليرفع عنك الضلال.. صل لتسعد و كنت نسيت الصلاة، فصليت لله رب المنون و رب الحياة و القدر و كان هواء المخافة يصفر في أعظمي و يئز كريح الفلا ... و أنا ساجد راكع أتعبد فأدركت أني أعبد خوفي، لا الله ... كنت به مشركاً لا موحداً و كان إلهي خوفي و صليت أطمع في جنته ليختال في مقلتي خيال القصور ذوات القباب و أسمع وسوسة الحلي ، همس حرير الثياب أني أبيع صلاتي إلي الله فلو أتقنت صنعة الصلوات لزاد الثمن و كنت به مشركاً، لا موحداً و كان إلهي الطمع و حير قلبي سؤال تري قدر الشرك للكائنات و إلا، فكيف اصلي له وحده و أخلي فؤادي مما عداه لكي أنزع الخوف عن خاطري لكي أطمئن .
صلاح عبد الصبور