ينبئني شتاء هذا العام أنني أموت وحدي ذاتَ شتاء مثله, ذات شتاء يُنبئني هذا المساء أنني أموت وحدي ذات مساء مثله, ذات مساء و أن أعوامي التي مضت كانت هباء و أنني أقيم في العراء ينبئني شتاء هذا العام أن داخلي مرتجف بردا و أن قلبي ميت منذ الخريف قد ذوى حين ذوت أولُ أوراق الشجر ثم هوى حين هوت أول قطرة من المطر و أن كل ليلة باردة تزيده بُعدا في باطن الحجر و أن دفء الصيف إن أتى ليوقظه فلن يمد من خلال الثلج أذرعه حاملة وردا ينبئني شتاء هذا العام أن هيكلي مريض و أن أنفاسيَ شوك و أن كل خطوة في وسطها مغامرة و قد أموت قبل أن تلحق رِجلٌ رِجلا في زحمة المدينة المنهمرة أموت لا يعرفني أحد أموت لا يبكي أحد و قد يُقال بين صحبي في مجامع المسامرة مجلسه كان هنا, و قد عبر فيمن عبر يرحمُهُ الله ينبئني شتاء هذا العام أن ما ظننته شفاىَ كان سُمِّي و أن هذا الشِعر حين هزَّني أسقطني و لستُ أدري منذ كم من السنين قد جُرحت لكنني من يومها ينزف رأسي الشعر زلَّتي التي من أجلها هدمتُ ما بنيت من أجلها خرجت من أجلها صُلبت و حينما عُلِّقتُ كان البرد و الظلمة و الرعدُ ترجُّني خوفا و حينما ناديته لم يستجب عرفتُ أنني ضيَّعتُ ما أضعت ينبئني شتاء هذا العام أننا لكي نعيش في الشتاء لابد أن نخزُنَ من حرارة الصيف و ذكرياتهِ دفئا لكنني بعثرتُ في مطالع الخريف كل غلالي كل حنطتي, و حَبِّي كان جزائى أن يقول لى الشتاء انني ذات شتاء مثله أموت وحدي ذات شتاء مثله أموتُ وحدي .
صلاح عبد الصبور