فكان من أول هم الاستشراق أن يبحث لأوربا الناهضة عن سلاح غير أسلحة القتال، لتخوض المعركة مع هذا الكتاب الذي سيطر على الأمم المختلفة الأجناس والألوان والألسنة، وجعلها أمةً واحدةً، تعد العربية لسانها، وتعد تاريخ العرب تاريخها. وبدأ الغزو المسلح، وسار الاستشراق تحت رايته، وزادت الخبرة بهذه الأمم. فمن كان له لسان غير اللسان العربي، أعدت له سياسة جديدة لإغراقه في لسان الغازي الأوربي حتى يسيطر عليه، ومن كان لسانه عربيا، أعدت لهرسياسة أخرى لإغراقه في تخلف مميت، لخصها وليم جيفورد بلجراف في كلمته المشهورة: متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة (يعني الحضارة المسيحية) التي لم يبعده عنها إلا محمد وكتابه. فكان بينا أنه لا يمكن أن يتوارى القرآن حتى تتوارى لغته. محمود محمد شاكر