ذو الوجهين منافق، وذو الوجه الواحد ميت! يعيب الإنسان أن يصنع له نفسا غير نفسه ووجها غير وجهه، وأن يبدو للناس بوجهين يلعن أحدهما الآخر. ويعلم هو أنهما - كليهما - ملعونان. ولا يعيبه أن يكون له مئة وجه ينم كل منها على سمة من سماته ومعنى من معانيه، ويعرض لنا من ذهنه وسليقته وقلبه في ساعة ما ليس يعرضه في ساعة أخرى. لأن كل وجه من هذه الوجوه حق وليس بكذب، وجوهر وليس بطلاء، وصفحة من كتاب لا تتم قراءته إلا باستعراض جميع الصفحات. ذو الوجهين في كل وجه من وجهيه كذب وطلاء. وذو الوجوه المنوعة السمات، المتعددة الملامح، المفرقة المعاني، رواية صادقة الخبر يرينا كل يوم بينة جديدة على صدقه ولوناً جديداً من تمامه ونقصه، ونفساً جديدة في تعبير جديد. والرجل الذي لا تختلف له صورة من صورة ولا تمثال من تمثال هو جماد يختلس عنوان الحياة. والوجه الذي يصوره مئة مصور فيخرجون جميعاً بطابع واحد لا يتبدل هو جدار في هيئة إنسان، ولكنه جدار لا تختلف عليه الظلال والألوان. عباس العقاد