غادر الجحيم عند منتصف الليل؛ جميع أنوار الشوارع المستقيم والشوارع المتقاطعة تنصهر في باطنه، تنفجر في نافورة من اﻷضواء المتضاربة، وأعلى العمائر يتراقص. لا ملمح هداية يستدل به في خط سيره، ولا علامة يسترشد بها، فر الجميع وتلاشوا. السيارات تقل بعض الشيء، الآدميون ﻻ ينتهون. يترك نفسه لقدميه، كما اعتاد ان يعتمد عليهما في الملمات، ومن تقده قدماه لا يضل. ثمة قصة عن حمار مرموق ولكن ما هي؟ ها هو رجل قادم من الناحية الأخرى، سيرتطم به اذا سار في خط مستقيم. لكن القادم ينتبه إليه، ينحرف، لا شبرا أو شبرين، ولكن إلى وسط الشارع كأنما يهرب. الجبان. تضاعف شعوره بقوته الكامنة ودار راسه تيها. ولم يعد يقلق لنسيان قصة الحمار المرموق. واصل سيره يخوض الليل والأنوار، يعرض عن أبواب المحال المغلقة، ويتجاهل المارة . نجيب محفوظ