وفيما هو يغادر حجرة المدير وقع نظره على حجرة تقابلها كُتب على لافتتها السكرتير الخاص فخفق فؤاده..ومضى إلى الخارج..وجعل يحدث نفسه: قرنان في الرأس, يراهما الجاهل عارًا وأراهما حلية نفيسة. قرنان في الرأس لا يؤذيان..أما الجوع..سأكون أي شيء, ولكن لن أكون أحمق أبدًا. أحمق من يرفض وظيفة غضبًا لما يسمونه كرامة. أحمق من يقتل نفسه في سبيل ما يسمونه وطنًا. أحمق من يضيع على نفسه لذة لأي وهم من الأوهام التي ابتدعتها الإنسانية..كل هذا حق وجميل..بيد أني منفعل هائج..لماذا؟! لك أن العقل لا ينفرد بتوجيه سلوكنا, وبينما يحدث العقل حكمة, يخلف الشعور حماقة. فعلى الحكمة أن تمحق الحماقة, وليكن لي أسوة حسنة في الإخشيدي, ذلك الأريب. ظفر بوظيفة لأنه خائن, ورقي لأنه قوّاد, فإلى الأمام..إلى الأمام.نجيب محفوظ