إنها معرفة ليست بالجديدة عليّ.. شيء معتاد أعرفه جيّدًا منذ أن التحقت بهذا الكيان.. لكنّ شيئًا ما تشوه داخلي ولم أعد أستطيع استكمال مهمّتي.. إلحاح الهروب من هذا العالم تملّكني تمامًا.. عبثًا حاولت التفكير بتعقل فلم أفلح في استعادة هدوئي وتوازني.. أشعر بالاستياء من نفسي ومن حياتي ومن الجميع.. لقد سقطت في الأعماق السحيقة لمستنقع مظلم قذر.. أستعيد فيه وقائع.. أستعيد دقائق مشحونة ومختلطة بدوّامة من التخبّط والحيرة والألم، ويغمرني العار ببطء، ببطء شديد، ولا يكفّ عقلي عن طرح صور تُعذّبني تقترب منّي وتبتعد.. ما الذي جرى لي؟! لم أكن هكذا.. أُحاول أن أفهم.. أُحاول أن أستكشف ما في داخلي، ولكنّني لا أُبصر سوى دوّامة من الخيبة والحسرة.. فبعد انقضاء الدهشة الأولى تبدأ الحياة في رسم تعبير لا يوصف من الحزن والخوف داخلنا.. يكبر تدريجيًا مع انتهاء كل دهشة جديدة ومعرفة جديدة إلى أن نصاب بالتخمة من اليأس، ثم نفقد القدرة على الحياة، ثم نمارس اللامبالاة.. حياتي لا تستحق غير النسيان، لا أفتخر بها ولا أجد فيها ما يجعلني أسعى للتمسّك بها، لكن في نفس الوقت لا أملك أيّ قدرة على إنهائها.. كنت أتمنّى الانسحاب من هذا العالم بكل أسبابي الدفينة لأذهب بعيدًا حيث لا يوجد بشر ولا خير ولا شرّ، وألتزم الصمت بقية حياتي بعدما أصبحت عديم الفائدة وبلا معنى.. أنا في مستنقع من الحيرة، أغوص فيه بلا رفيق ولا يوجد منقذ. إبراهيم المحلاوي