ثم ها هو ذا رجل لا يشركه رجل آخر في صفاته ومقدماته ، ولا يدانيه رجل آخر في مناقبه الفضلى التي هيأته لتلك الرسالة الروحية المأمولة في المدينة.. وفي الجزيرة،وفي العالم بأسره. نبيل عريق النسب .. وليس بالوضيع الخامل، فيصغر قدره في أمة الانساب والاحساب.. فقير.. وليس بالغني المترف الغني فيطغيه بأس النبلاء والاغنياء ، ويغلق قلبه ما يغلق القلوب من جشع القوة واليسار. يتيم بين رحماء.. فليس هو بالمدلل الذي يقتل فيه التدليل ملكة الجد والارادة والاستقلال ، وليس هو بالمهجور المنبوذ الذي تقتل فيه القسوة روح الامل وعزة النفس وسليقة الطموح ،وفضيلة العطف على الآخرين. خبير بكل ما يختبره العرب من ضروب العيش في البادية والحاضرة.. تربى في الصحراء وألف المدينة، ورعى القطعان واشتغل بالتجارة وشهد الحروب والاحلاف، واقترب من السراة ولم يبتعد من الفقراء.. فهو خلاصة الكفاية العربية في خير ما تكون عليه الكفاية العربية.. وهو على صلة بالدنيا التي أحاطت بقومه.. فلا هو يجهلها فيغفل عنها، ولا هو يغامسها كل المغامسة فيغرق في لجتها.. أصلح رجل من أصلح بيت في أصلح زمان لرسالة النجاة المرقوبة ، على غير علم من الدنيا التي ترقبها. ذلك محمد بن عبد الله عليه السلام. عباس العقاد