إنه يستيقظ من نوم عميق سلمه إلى تعب شمل النفس والجسم وإنه لا يدري إن كان يستيقظ صباح الغد بهذا الفراش أم لا يستيقظ أبداً، لا يدري ولا أحد يدري، فالموت يجوب شوارع القاهرة طولا وعرضا ويرقص في أركانها، ياللعجب، ها هي أمه تعجن كعهدها منذ القديم، ها هو كمال يغط في نومه ويتقلب في أحلامه، وذاك ياسين يدل وقع قدميه فوق سقف الحجرة أنه انتزع نفسه من الفراش، أما أبوه فلعله الآن منتصب القامة تحت الدش البارد، وها هو نور الصباح ذو البهاء والحياء تستأذن طلائعه في رقة بالغة، كل شيء يواصل حياته المعهودة كأن شيء لم يحدث، كأن مصر لم تنقلب رأسا على عقب، كأن الرصاص لا يعزف باحثا عن الصدور والرءوس... كأن الدم الزكي لا يخضب الأرض والجدران.نجيب محفوظ