تنظر إلى النساء الجميلات في بعض أوقاتهن فيخيل إليك أنهن قد نسين ما فيهن من جمال، وأنهن قد خرجن من حلته عرضًا كما يخرج الملك من طيلسانه ساعة يتبسط فيها بين خاصته وندمائه. أو كما يتنحى صاحب المنصب عن تكاليف منصبه في خلوة من خلواته ليكون رجلا من سواد الناس. أما هذه الفتاة التي رأيتها فلا تنسى جمالها ولا طاقة لها بأن تنساه ولا يسعك أن تتخيلها ناسية له أو عارية منه لأن الجمال فيها والجميلة شيء واحد. وحريّ بها ألّا تنسى جمالها وألّا تُرى بعيدة عنه، إذ كان كل من يراه لا ينساه ولا يسهل عليه بعده. وقد ينسى كل شيء غيره ليذكره. لها طلعة سماوية المعاني، يدلك كل موقع نظرة من ملامحها على معنى لا يشاركه فيه غيره، وليست كهذه الطلعات المشاعة التي تخفي من ملامحها ما تخفي فلا تنقص من دلالتها شيئا، وقد تزداد على الإخفاء جمالا، لها طلعة كاملة تزيدها ملامحها حسنًا وتزيد هي حسن ملامحها، وكأنما تعلم ذلك من نفسها فهي تأمرك أن تؤمن بجمالها إيمان العجائز ولا تقبل منك أن تتقراه وتبحث أسراره وتتأمل مغازيه بينك وبين نفسك!! وأحسبها لو لم ترَ جمال محياها قط في مرآة لما كانت لها وقفة غير وقفتها هذه ولا مشية غير مشيتها ولا مخيلة غير هذه المخيلة التي أراها. ذلك لأنها لا تملك مع جمالها إرادة ولا هوى.. فهو الذي يبدو في العيون كما يشاء ولا شأن لها هي به ولا سلطان لها عليه. وكذلك تكون عبقرية الجمال، وكذلك بلاغته التي ترتجلها الطبيعة بلا كلفة ولا ابتذال. عباس العقاد