السخر بالحياة- من الناس من يسخر بالحياة سخر الممعود بالمائدة. ومنهم من يسخر بها سخر المتخوم المكتظ بطعامها. فالأول يسخر بالحياة؛ لأنه لا حظ له فيها، والآخر يسخر بها؛ لأنه أصاب منها جميع حظوظها. وربما كان الأول أفطن إلى العيوب وأسرع وقوعًا على القبائح المتوارية من صاحبه؛ لأن رغبته في إظهار هذه العيوب والقبائح مقرونة بألم السخط والحرمان. أيهما خير للناس جميعًا وللأقوياء والضعفاء معًا: أن يكون القوي عادلًا ينصف الضعفاء من نفسه، ولا يستأثر بحظ من حظوظ الحياة دونهم، فيظل قويٍّا بلا منفعة له من قوته، ويظلون هم ضعفاء بلا ضير عليهم من ضعفهم، أم أن يكون مفتئتًا طاغيًا يؤرث باستعلائه وكبريائه نيرانهم، ويتغلغل بسطوته في دخيلة نفوسهم وفي حيث يخامر الذل قلوبهم، فلا يدع ثَمَّ موضعًا من مواضع الدعة إلا زلزله، ولا عدة من عدد النهضة إلا شحذها، حتى يضطرهم اضطرارًا إلى تنكب أسباب الضعف والأخذ بأسباب القوة؟ الذي يحصل هو هذا، والذي يتمناه الناس هو ذاك، ولكن الذي يحصل هو الخير والرحمة، والذي تمنوه هو الضير والوبال. ما دام في الأرض ضعف وقوة فمن الرحمة بالعالم أن لا يتساوى الضعفاء والأقوياء. عباس العقاد