مصطفى لطفي المنفلوطي
أعجب ما أعجب له في شؤونكم أنكم تعلمتم كل شيء، إلا شيئاً واحداً هو أدنى إلى مدارككم أن تعلموه قبل كل شيء، وهو أن لكل تربة نباتاً ينبت فيها، ولكل نبات زمناً ينمو فيه. رأيتم العلماء في أوروبا يشتغلون بكماليات العلوم بين أمم قد فرغت من ضرورياتها، فاشتغلتم بها مثلهم في أمة لا يزال سوادها الأعظم في حاجة إلى معرفة حروف الهجاء. ورأيتم الفلاسفة فيها ينشرون فلسفة الكفر بين شعوب ملحدة، لها من عقولها وآدابها ما يغنيها بعض الغناء عن إيمانها، فاشتغلتم بنشرها بين أمة ضعيفة ساذجة لا يغنيها عن إيمانها شيء، إن كان هناك ما يغني عنه. ورأيتم الرجل الأوروبي حراً مطلقاً يفعل ما يشاء ويعيش كما يريد، لأنه يستطيع أن يملك نفسه وخطواته في الساعة التي يعلم فيها أنه قد وصل إلى حدود الحرية التي رسمها لنفسه فلا يتخطاها، فأردتم أن تمنحوا هذه الحرية نفسها رجلاً ضعيف الإرادة والعزيمة، يعيش من حياته الأدبية في رأس مُنحدرٍ زَلقٍ إن زلّت به قدمُه مرة تدهور من حيث لا يستطيع أن يستمسك، حتى يبلغ الهوّة ويتردى في قرارتها. ورأيتم الزوج الأوروبي الذي أطفأت البيئة غيرته.. وأزالت خشونة نفسه وحُرْشَتَهَا ، يستطيع أن يرى زوجته تخاصر من تشاء، وتصاحب من تشاء، وتخلو بمن تشاء، فيقف أمام ذلك المشهد موقف الجامد المتبلد. فأردتم الرجل الشرقي الغيور الملتهب أن يقف موقفه، ويستمسك استمساكه!.. إن كل نبات يزرع في أرض غير أرضه، أو في ساعة غير ساعته، إما أن تأباه الأرض فتلفظه، وإما أن ينشب فيها فيفسدها.مصطفي المنفلوطي
اقتباسات أخرى للمؤلف