القلب ، على حين أن السعادة قد تكون لحظات من هذا العمر الذي لا يعدّ بالسنين ولكن بالعواطف ، فلا يسعني لا أن أرد خواطري إلى القلب لتنصبغَ في الدم قبل أن تنصبغ في الحبر ثم تخرج إلى الدنيا من هناك بل ما يخفق وما يزفر وما يئنّ . من هناك ! آه . من ترى في الناس يعرف معنى هذه الكلمة ويتسع فكرهُ لهذا الظرف المكاني الذي أشير إليه ؟ إنّ العقل ليمد أكنافه على السموات فيسعها خيالا كما ترى بعينيك في ماء الغدير شبكة السماء كلها محبوكة من خيوط الضوء ، مفصّلة بعقد النجوم . ولكن هناك ؛ في القلب ؛ عند ملتقى سر الحياة وسر محييها ؛ في القلب ؛ عند النقطة التي يتقطع فيها الطرف بينكَ وبين من تحب ، حين تريد الجميلة أن تقول لك أول مرة أحبك ؛ ولا تقولها . هناك ؛ في القلب ؛ وعند موضع الهوى الذي ينشعب فيه خيط من نظرك وخيط من نظرها فيلتبسان فتكوّن منهما عقدة من أصعب وأشد عقد الحياة . هناك ؟ هذا معنى هناك . سأكتب أشياء وأضمر على أخرى لا أبوح بها ، وما دام لكل امريء باطن لا يشركه فيه إلا الغيب وحده ففي كل إنسان تعرفهُ إنسان لا تعرفه . وليست على المعاني والخواطر سمات تميز بعها من بعض كبياض الأبيض وسواد الأسود ؛ فأنا وحدي أعرف سبب الزلزلة التي أصفها ، والناس بعد كأولئك الخياليين القدماء الذين كانوا يقولون متى اهتزّت أثقال الأرض : أن إله المصارعة ينبض قلبه الآن .... وأعرف سبب البركان المنفجر وكانت خرافة الأقدمين عندما تتمزع الأرض من الغيظ وتلعنهم بألفاظ من النار : أن إله الحدادة ينفخُ في الكير ... أنا وحدي أعرف ما اندمج عليه وما يكنّه قلبي المتألم الذي أصبح يضطرب اضطراب الورقة اليابسة في شجرتها نافرة تتململ إن عفت عنها نسمة لا تعفو النسمات ككلها . فسآتيك في رسائلي بالكلام الصحيح والكلام المريض ويتشعب عليك من خبري أمور وأمور ، فلا تحاول أن تهتك سر هذا القلب . وإذا صح أن الانسان انطوى فيه العالم الأكبر فقد صح أن السماء انطوت في قلب الإنسان . ما أبعدكَ عن السماء ! ، انظر .. انظر فإنّ السماء تقول لك أيضاً أنها معنى هناك ! . مصطفي الرافعي