قال: إن المرأة الشريفة تستطيع أن تعيش بين الرجال من شرفها وعفتها في حصن حصين لا تمتد إليه المطامع، فتداخلني ما لم أملك معه وقلت له: تلك هي الخدعة التي يخدعكم بها الشيطان...فما هذا الولع بقصة المرأة، والتمنطق بحديثها، والقيام والقعود بأمرها، وأمر حجابها وسفورها...عاشت المرأة المصرية حقبة من دهرها هادئة مطمئنة في بيتها، راضية عن نفسها وعن عيشها، ترى السعادة كل السعادة في واجب تؤديه لنفسها، أو وقفة تقفها بين يدي ربها أو عطفة تعطفها على ولدها، وترى الشرف كل الشرف في خضوعها لأبيها وائتمارها بأمر زوجها، ونزلوها عند رضاهما، وكانت تفهم معنى الحب وتجهل معنى الغرام، فتحب زوجها لأنه زوجها، كما تحب ولدها لأنه ولدها، فإن رأى غيرها أن الحب أساس الزواج رأت هي أن الزواج أساس الحب...قلتم نحن لا نتزوج من النساء إلا من نحبها ونرضاها ويلائم ذوقها ذوقنا، وشعورها شعورنا، فرأت أن لابد لها أن تعرف مواقع أهوائكم، ومباهج أنظاركم لتتجمل لكم بما تحبون فراجعت فهرس حياتكم صفحة صفحة فلم ترى فيه غير أسماء الخليعات المستهترات، والضاحكات اللاعبات والإعجاب بهن والثناء على ذكائهم وفطنتهن فتخلعت واستهترت لتبلغ رضاكم، وتنزل عند محبتك، ثم مشت إليكم بهذا الثوب الرقيق الشفاف تعرض نفسها عليكم عرضًا، كما تعرض الأمة نفسها في سوق الرقيق فأعرضتهم عنها، كأنكم لا تبالون أن يكون نساء الأمة جميعًا ساقطات إذا سلمت لكم نساؤكم، فرجعت أدراجها خائبة منكسرة قد أباها الخليع، وترفع عنها المحتشم، فلا تجد بين يديها غير باب السقوط فتسقط...أبواب الفخر أمامكم كثيرة، فاطرقوا أيها شئتم ودعوا هذا الباب موصدًا؛ فإنكم إن فتحتموه فتحتم على أنفسكم ويلاً عظيمًا وشقاء طويلا.مصطفي المنفلوطي