والعزلة هي المرفأ الأمين الذي تلجأ اليه سفينة الحياة حين تتقاذفها الأمواج، وتصطلح عليها هوج الرياح، وهي الواحة الخصبة التي يفيء اليها السفر بين الأين والكلال، فيجدون في ظلها الظليل راحتهم من سموم الصحراء ولوافح الرمضاء، وهي المنزلة الأولى التي ينزلها المرء في طريقه من الدنيا الى الأخرة، ليستجم ذهنه ويجمع أمره، ويعد عدته للقاء الله تعالى، لذلك كانت العزلة دائما في الشعوب الشقية المضطهدة، التي لا إرادة لها امام إرادة حكاميها الظالمين، وملوكها المستبدين، كما كان شأن المصريين والرومان واليهود فيما مضى من التاريخ، وكما هو شأن الهنود والصينيين والإيطاليين والشعوب الشرقية اليوم، وقد يكون ذلك أحيانا في الأمم المتمدينة المتحضرة، فإن للمدنية شقاء كشقاء الهمجية لا يختلف عنه إلا في لونه وصبغته.مصطفي المنفلوطي