مصطفى صادق الرافعي
قال الشيخ علي: سُئل الحلاج وهو مصلوب يعاني غصة الموت: ما التصوّف ؟ فقال لسائله: أهونه ما ترى. .... فهذا رجل يموت في سبيل حقيقة تقتله بغموضها السماوي العجيب! وعلى أنها قد دقت المسامير في أطرافه وجمعت لموته آلام الحياة كلها، وأنبتت في كبده من وخزات الجوع شجرة من الشوك، وأطلقت في عروقه من لذعات العطش لهيبًا من النار، وتركته على عوده ممدودًا تتساقط نفسه كما يُنشر الثوب الذي بلي وانسحق فهو يتمزق من كل نواحيه على هذا البلاء كله، لم تتغير الحقيقة في رأي الرجل ولا فسد موضعها في نفسه ، ولا رأى ما يكرهه الناس من الألم مكروهًا في ذاته فيميل عنه، ولا ما يحبونه من اللذة محبوبًا فيميل إليه، ولا تسحب قلبه حركة واحدة في السخط على الحكمة الإلهية فانتقصها برأي أو اغتمز فيها بكلمة؛ بل نظر نظرة الحكيم من وراء الحد الإنساني المنتهي فيه إلى ما يبدأ عنده الحد الإلهي الذي لا ينتهي، ورجع آخره إلى أوله فكأنما يقول بلسان حكمته فيما نزل به: اللهم إنك بدأتني طفلًا غِرًّا جعله فقدان العقل لا يملك مع أحد إلا صياحه فخذني إليك طفلًا عاقلًا جعله العقل لا يملك مع أحد ،ولا صياحه.مصطفي الرافعي
اقتباسات أخرى للمؤلف